الاثنين، 6 يناير 2014

المـراحل التي تمـر منها سياسـة الإعـداد وخصـائصها العـامة


تمـر سياسـة الإعـداد بعـدة مـراحل :
      إن سياسة الإعداد تخضع قبل خروجها لحيز التطبيق لعدة مراحل تجعل منها سياسة معقلنة؛ وهي من هذا المنطلق ليست ظرفية أو وليدة الصدفة؛ كما أنها ليست سياسة ارتجالية خاضعة لقرارات اعتباطية؛ إلى جانب هذا وذاك فإن قراراتها ليست قرارات فردية أو أحادية المنطلق؛ كما أنها لا تنتج عن فراغ. ويمكن إجمال المراحل التي تمر بها هذه السياسة في خمس مراحل أساسية وهي كالتالـي:
1.  مـرحلة الوعـي بالظـاهرة :
          إن الظواهر المجالية بمختلف مكوناتها وبكل مستوياتها تتميز بالتنوع والتعقد والتداخل إلى درجة يصعب معها وفي حالة وجود معيقات عديدة التمييز بين الأسباب والمسببات؛ فتبقى هذه الظواهر المجالية غير واضحة؛ وغالبا ما تكون غير مألوفة على مستوى الإدراك؛ مما يجعل استمراريتها كعوائق لا تثير أدنى تساؤل؛ ومن هذا يبقى الوعي والإحساس بالظاهرة أو المشكلة المراد تجاوزها مسألة أساسية بالنسبة للتهيئة؛ والوعي بالظاهرة يجب أن يفرز بدوره قناعات تترجم الرغبة في التغيير لما هو أحسن؛ وذلك بإعطاء نظرة مخالفة تماما لما هو كائـن.

2.  مـرحلة التشخيـص :
       إن الوعي بالظاهرة يفترض إعطاء تشخيصات لمواطن الخلل والضعف . حدد بانشميل مراحل التشخيص في ثلاثة مراحل أساسية :
·       المرحلة الأولـى : يهدف التشخيص من خلالها حصر المشاكل البارزة وتجديدها وهي متعددة جدا – محليا وجهويا ووطنيا – كالمشاكل الديمغرافية والإقتصادية والإجتماعية والجغرافية..الخ.
·       المـرحلة الثانيـة : تشخيص المشاكل الخفية غير المرئية التي تلعب دورا مباشرا وغير مباشر في التأثير على المجال؛ والتي غالبا ما ينظر إليها على أساس أنها مشاكل خارجية.
·       المـرحلة الثالثـة : قدرة السكان وأصحاب القرار على تشخيص كل الظواهر المشكلة للأزمة؛ المرئية منها وغير المرئية؛ وقدرتهم على إدراك كل مواطن الخلل؛ وأخيرا إمكانية التمييز بين الأعراض التي هي بمثابة تجليات لمشكل من المشاكل والأسباب التي كانت وراءها؛ علما وكما تمت الإشارة إلى ذلك؛ أنه غالبا ما لا يمكن التمييز بينهمـا.
3.  مـرحلة الرغبـة في الإعـداد :
           هي نتاج للمراحل السالفة الذكر التي بلورت قناعات لدى السكان والأجهزة الإدارية بضرورة الإصلاح أو التغيير؛ أو فقط أحيانا أخرى إدخال بعض العناصر لتدعيم وضع قائم أو المحافظة عليه. لأن المساهمة في تغييره من شأنها أن تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها؛ خاصة في المجالات ذات التوازنات الهشة. هذه القناعات تترجم على مستويين مختلفين همـا :
·       استراتيجية التهيئة من أعلى : وهي الحالة التي تبدي فيها الدولة رغبتها في الإعداد بمنظور استراتيجية تنموية تخضع لتوجهات السياسية الإقتصادية المتبعة في البلاد.
·       استراتيجية التهيئة من أسفل : وهي عبارة عن تجسيد طموحات واختيارات مجموعة سكانية محددة.
           وغالبا ما نجد أن حجم مشاريع التهيئة يجعل الجماعات السكانية عاجزة عن إنجازها؛ ونفس الشئ بالنسبة للدولة التي تكون بدورها عاجزة عن القيام بكل المشاريع؛ الشئ الذي يفرض ضرورة خلق إطار مشترك يجسد في آن واحد إدارة الدولة ورغبة السكان وهذا الإطار هو الذي أصبح أكثر توافقا مع سياسة التهيئة ويتمثل في سياسة الجهوية.
4.   مـرحلة إنجاز الدراسـات والأبحـاث :
           من أهم المراحل التي تمر بها عملية الإعداد قبل إخراجها لحيز التنفيذ؛ وتكمن أهميتها في الكشف عن خصائص المجالات أو القطاعات المراد إعدادها من خلال تبيان مؤهلاتها الإقتصادية والبشرية؛ ودراسة مواطن الخلل والقوة بها. وعلى هذا الأساس يوضع تصور متكامل وخطة شاملة عن الكيفية التي بواسطتها يجب تجاوز السلبيات وترشيد استغلال الإمكانيات المتوفرة؛ ويمكن تقسيم هذه الدراسات إلى قسميـن :
·       الدراسات ذات الصبغة الشمولية : وهذا النوع يتوخى تقييم الثروات الوطنية لوضع سياسة إعدادية للمجال الجغرافي للبلاد؛ والبحث عن وسائل الإنجاز التي تتناسب معها.
·       الدراسات ذات الصبغة المحلية والجهوية : وتهدف إلى إبراز الثروات المتوفرة بمجال جغرافي ضيق نسبيا ووضع ما يناسبه من وسائل لتحقيق برامج تنموية؛ في إطار تكاملي وبطريقة منسجمة مع المشاريع الإنمائية للمناطق الأخرى.
           وتخضع هذه الدراسات في مجملها لعدة شروط يمكن إجمالها في النقط التالية :
Ø   ضـرورة الإلمام والإحاطة بكل مكونات المجال ودراستها دراسة مدققة.
Ø   التعـرف على المشاكل العامة التي يطرحها المجال؛ وترتيبها ترتيبا تسلسليا من حيث الحدة والتعقـد.
Ø   تخصـيص هامش في الدراسة يتم فيه مراعاة الطارئ واللامتوقع حتى يمكن محاصرته وتجاوزه وإيجاد الحلول المناسبة له في الوقت المناسب.
Ø   تسطـير أهداف محددة وقابلة للقياس.
           وأهم مميزات هذه المرحلة هي أنها تفرز لنا في النهاية مشروعا متكاملا يشمل العناصر التالية :
Ø   دراسة متكاملة أو تقرير حول الوضع الحالي والعوامل التاريخية التي ساهمت في إنتاجه.
Ø   وضع تصور حول طبيعة المشروع أو المشاريع المراد إنتاجها.
Ø   تحديد الوسائل والكيفية لتحقيق المشروع وإنجازه؛ من وسائل تكنولوجية وبرامج..
Ø   تحديد غلاف مالي للمشروع لتمويل مستلزماته؛ مع تعيين الجهات المسؤولة عن التمويل.
Ø   وضع توقعات مستقبلية حول صيرورة المشروع؛ ووضع تصور أولي حول النتائج الكمية والنوعية التي قد تترتب عنه.
5.  مـرحلة الإنجـاز :
            هي آخر مرحلة يتم خلالها التطبيق الفعلي للمشروع؛ وهذه المرحلة وإن كانت الأخيرة فلا يمكن اعتبارها النهائية؛ لأن من أهم مظاهر سياسة الإعداد الإستمرارية على مستوى الفعل؛ حتى تتمكن المؤسسات المسؤولة عن التهيئة من التدخل كلما دعت الضرورة لذلك أثناء مرحلة الإنجاز؛ وذلك إما بهدف تصحيح بعض الأخطاء في التطبيق؛ أو بهدف إدخال بعض المستجدات التي تمت بلورتها أثناء هذه المرحلة؛ ومن هنا يمكن أن نستنتج بأن سياسة التهيئة سياسة مرنة قابلة للتأقلم مع الأوضاع الجديدة ومواكبتها وأخذها بعين الإعتبار.
عثمان ادشـيـشي