الأحد، 1 ديسمبر 2013

التصــادم القـاري


التصادم هو الشكل الثاني، من أشكال تقارب الصفائح التكتونية. وقد مر ذكر الاندساس، وأنه يحدث في حال تقارب صفيحة محيطية من أخرى قارية، أو تقارب صفيحة محيطية من أخرى محيطية. ويحدث التصادم، عند تقارب صفيحة قارية من أخرى قارية.
ويرتبط حدوث التصادم بين صفيحتَين قاريتين، بتكون جبال التوائية شاهقة الارتفاع. وذلك بسبب تجعد طبقات صخور القشرة الأرضية، المحصورة بين الصفيحتَين المتصادمتَين، أو على أطرافهما. وحدود الهدم في الصفائح التكتونية، في الشكل الثاني، تقابل الحدود البناءة بين الصفائح المتباعدة.
وأمثلة هذه الحالة كثيرة، على سطح الأرض. فقد نشأت جبال الهملايا عن تصادم الصفيحتَين، الهندية والأوراسية. ونشأت سلاسل جبال الألب عن تصادم الصفيحتَين، الأفريقية والأوراسية، في جنوب أوروبا[1]. وتشكلت سلاسل جبال زاجروس وطوروس والأناضول، من ضغط الصفيحة العربية على كل من الإيرانية والتركية.
وعند تصادم صفيحتَين قاريتين، تهيئ الالتواءات في صخور القشرة الأرضية، والفوالق والصدوع المصاحبة لها، مجالاً لتدفق اللابة؛ وهي، غالباً، في الأماكن المكونة من صخور الريولايت Rhyolite، الجرانيتية، ذات الحمضية العالية[2].
ويَعد كثير من الجيولوجيين تصادم صفيحتَين قاريتين، هي المرحلة الأخيرة في حركة الصفائح التكتونية. وتصادم صفيحتَين قاريتين؛ في جميع الأمثلة المذكورة أعلاه، كان على حساب صفيحة محيطية تفصل بينهما. فالصفائح، الهندية والعربية والأفريقية، كانت أجزاء من قارة جندوانالاند القديمة. وكان يفصلها عن لوارسيا، أو بالتحديد الصفيحة الأوراسية (حالياً)، بحر تيثس القديم. ويعتقد أن القشرة المكونة لقاع ذلك البحر، قد تأكَّلت، بالاندساس. وتشهد الرواسب، البحرية والمرجانية، على قمم جبال الألب وجبال الهملايا وبين ثنياتها، بأنها كانت رواسب قاع بحر قديم، أدى الضغط الشديد عليها، من الجانبين، التواءها وارتفاعها إلى الأعلى، مكونة تلك السلاسل الجبلية الشاهقة.
حينما تتصادم صفيحتان قاريتان، لا يحدث اندساس لإحداهما تحت الأخرى، لتغوص في طبقة الانسياب، الاسثنوسفير؛ وذلك لانخفاض كثافتيهما، وخفة وزنيهما، بالنسبة إلى الطبقات التي تحتهما؛ مثل كرتين تصادمتا، على سطح الماء، تأبى إحداهما أن تغوص تحت الأخرى؛ ومثلما يستحيل على الجبال الثلجية العائمة، أن يغوص أحدها تحت الآخر، عند تصادمها ببعضها. وبدلاً من أن تغوص إحداهما تحت الأخرى، فإن الصفيحتين القاريتين المتصادمتين، تلتحم إحداهما بالأخرى، وقد تندفعان إلى الأعلى، أو إلى الجانبين. وقد أدى تصادم الصفيحتين، الهندية والأوراسية، قبل 50 مليون سنة، تلاحمهما وتضاغطهما، فارتفعت ثانيتهما على أولاهما. رفع الاندفاع البطيء، والمستمر، لكل من الصفيحتين نحو الأخرى، جبال الهملايا، وهضبة التيبت إلى ارتفاعاتهما الحالية. وتظهر آثار تضاغطهما الشديد، ليس فقط في المرتفعات؛ بل في الصدوع الكثيرة، كذلك، المنتشرة في الصين وسيبيريا، والتي تبعد أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، شمال جبال الهملايا. معظم هذه الظواهر، تطورت خلال العشرة ملايين سنة الأخيرة. وتشكل جبال الهملايا، الشامخة إلى 8854 متراً، فوق سطح البحر، أعلى جبال قارية في العالم؛ بل إن هضبة التبت، التي يصل متوسط ارتفاعها إلى 4600 متر، فوق سطح البحر، يفوق ارتفاعها أعلى القمم في جبال الألب، عدا جبل بلانك، وجبل روزا.


[1] يتسم حوض البحر المتوسط بوجود عدد كبير من الصفائح الصغيرة والتي تتحرك نسبة إلى بعضها بشكل شديد التعقيد.
[2] وذلك خلافاً للاّبة المنبثقة عن التقاء صفيحة محيطية بأخرى محيطية أو قارية، التي تتكون من صخور الانديسايت معتدلة الحمضية.