الاثنين، 13 يناير 2014

إعداد التراب الوطني: التعريف و التطور



يكتسي موضوع إعداد التراب الوطني أهمية كبرى و ذلك لارتباطه الوثيق بالعديد من المواضيع الآنية، من قبيل اللامركزية، الجهوية، الحكامة،  التنمية...،  هذه الأخيرة التي فرضت نفسها و بقوة على جميع دول العالم  و جعلتها هي بدورها من بين أولى الأولويات التي تحاول جاهدة تحقيقها.
 و يعتبر الإعداد الجيد للتراب الوطني من بين الأسس التي تعتمد عليها التنمية في جميع المجالات، و سنتطرق أولا لتحديد مفهوم إعداد التراب  الوطني ، ثم لإدراج تطور مفهوم إعداد التراب الوطني . 


أولا: تعريف إعداد التراب الوطني


يعترض محاولتنا لمقاربة مفهوم إعداد التراب الوطني ما قاله الأستاذ دلوبدير " من السهل تكوين فكرة عما تعنيه عبارة إعداد التراب الوطني، و من الصعب في نفس الوقت إن لم يكن من المستحيل

إعطاؤها تعريفا أكيدا و متكاملا".



 لكن بالرغم من ذلك سنقف على العديد من التعاريف.

             Aménagement du territoireإعداد التراب يقابله بالفرنسية        

تعني"الإعداد و التهيئة"  Aménagement   

territoire  تعني" التراب"،

و إعداد التراب مفهوم واسع كل يعرفه بحسب تخصصه، "فبالنسبة للجغرافيا يعتبر بمثابة إعادة توزيع للموارد الطبيعية و البشرية، أما الاقتصاد فبالنسبة له فهو وسيلة للتوزيع المناسب للأنشطة الاقتصادية و للتنمية المحلية و الجهوية " و هناك من يجمع بينهما و يعتبر إعداد التراب هو السياسة الاقتصادية و الاجتماعية المعقلنة، التي يتبعها الإنسان لاستغلال الموارد الطبيعية و تحسين جودة المجال أو الوسط الترابي الذي يمارس فيه مختلف أنشطته، و في نفس السياق نجد الفقيه رولان يعرف إعداد التراب على أنه " علم و فن يهدف إلى تنظيم و توزيع الفضاء الجهوي و الوطني لمختلف الأنشطة البشرية حسب حاجات الفرد و الجماعة".

  و أما المخطط الخماسي 68-72 فقد عرف إعداد التراب بأنه: "إعطاء بعد جغرافي لعمليات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية أي الوصول إلى توزيع مجالي للأنشطة التي يمكن معها إنعاش عملية

التنمية..."، و على هذا الأساس يتلخص مفهوم إعداد التراب الوطني في تلك العملية التقنية و الفنية و

السياسية و الإدارية التي تتولى تحقيق تنمية شمولية و متوازنة لجميع المناطق و جهات البلد، و ذلك

بالقدر الذي يخدم في نفس الوقت السكان عن طريق تحقيق توزيع عادل للثروات والأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية .

  و بالرغم من تعدد التعاريف التي أعطيت لإعداد التراب الوطني يبقى الرابط المشترك بينها هو أنه سياسة تهدف إلى الحد من الفوارق الاقتصادية و الاجتماعية بين مختلف جهات المملكة و إلى  تحقيق التوازن المجالي و العدالة الاجتماعية   و ذلك من خلال توزيع أفضل  للسكان و الأنشطة على مستوى التراب الوطني، من أجل التغلب على كل التحديات الديمغرافية و الاقتصادية و البيئية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات و إمكانات كل منطقة.



ثانيا :  تطور مفهوم إعداد التراب الوطني


  لقد كانت الاختلالات و الفوارق التي عانت منها مختلف جهات المملكة، و غياب النظرة الشمولية في تخطيط المجال و اختلال التوازن الذي تتخبط فيه البوادي و المدن و مجموع التراب على مستوى توزيع الساكنة و الأنشطة...،دافعا أساسيا لتنتبه السلطة المركزية لاتخاذ تدابير و إجراءات تخفف من حدة تمركز القطاعات الإنتاجية و تنظم التزايد المستمر للساكنة، و كانت أولى بوادر سياسة إعداد التراب الوطني سنة 1968 مع سياسة التنمية الجهوية للتخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين جهات المملكة، و تبلورت في ظل المخطط الخماسي 1973-1977 مع خلق الجهات الاقتصادية السبعة التي اعتبرت تهيئة المجال من الأمور الضرورية لتحقيق التنمية و إنجاح الجهوية بالمغرب، و رسخها المخطط الثلاثي 1978-1980 الذي ركز على ضرورة وضع سياسة لإعداد التراب  الوطني بالموازاة مع وضع تصميم للتهيئة لتحقيق التنمية، ثم عززها المخطط الخماسي

1981-1985 الذي أضاف القرى و أنجزت تصاميم الهيكلة القروية للحد من المشاكل التي استفحلت فيه، و تلاه  المخطط الخماسي 88-92 الذي أطلق عليه اسم مسار التنمية، الذي ركز بدوره على تهيئة المجال الحضري و القروي و الجهوي لضمان الاستقرار و التوازن على مستوى توزيع الساكنة و الأنشطة الاقتصادية و توزيع الثروات و الإدارة و تدبير المجال، إلا أن فعالية هذه المخططات كانت محدودة بسبب الإختلالات الكبرى التي كان يعاني منها المغرب بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات و اعتماد منهجية قطاعية لم تعطي أكلها و لم يعرف المجال تطورا ملموسا بل أدى إلى تكريس الفوارق بين الجهات على مختلف المستويات اقتصادية، اجتماعية،... و بعد ذلك أنجزت مجموعة من مشاريع إعداد التراب الوطني على الصعيد المركزي و تم تحيينها عدة مرات دون أن تأخذ مجراها في مسلسل المصادقة و الإنجاز و التطبيق، و مع حكومة التناوب تم اعتماد سياسة جديدة تتجلى في طرح مسألة إعداد التراب الوطني للحوار و أطلق عليه الحوار الوطني لإعداد التراب و كان سنة 2000، و انبثق عنه الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني سنة 2001 الذي يعتبر إطارا قانونيا - بالإضافة إلى إطارات قانونية أخرى على المستوى الجهوي و المحلي - و توجيهيا يحدد المعالم الكبرى لسياسة إعداد التراب الوطني و يلخص جميع العناصر المتولدة عن هذا الحوار، و في نفس الوقت  يعتبر هذا الميثاق أساس التصميم الوطني لإعداد التراب الوطني ( 2001 - 2002 و أخذ شكله النهائي سنة 2003).

 و قد شكلت ثلاثية: الحوار – الميثاق – التصميم الوطني  ركيزة متينة تمكننا الآن من إرساء سياسة ترابية واضحة المعالم ستسهل مأموريتنا، في المرحة المقبلة، في تناول و بلورة التصاميم الجهوية و كذا في تفعيل مفاهيم اللامركزية و اللاتمركز و الديمقراطية كركائز أساسية اختارها المغرب لبناء مشروعه التنموي4، خاصة و أن المغرب قد تبنى نظام الجهوية التي تجعل من إعداد التراب الوطني أولى أولوياتها لتحقيق التنمية المستدامة.



A. DELAUBADRE, Traité de Droit Administratif L.G.D.J Tome II 7éme édition 1979, P. 511
عبد الواحد مبعوث، التنمية الجهوية بين عدم التركيز الإداري و اللامركزية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام – كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط أكدال 2000/1999  ص: 54 .
 بنمير المهدي، الجماعات المحلية بالمغرب و مسألة التنمية المحلية،مطبعة الوراقة، مراكش، 1995 ص: 114.
التصميم الوطني لإعداد التراب الوطني، ص 3