الأربعاء، 21 مايو 2014

المفارقة السكانية: لماذا ينجب الأثرياء أطفالًا أقل؟

مايري ماكلاود ترجمة لبنى عماد تركي

عندما تتوافر للحيوانات موارد أكثر، يزداد نسل معظمها، ولكن الوضع معكوس لدى البشر، لماذا؟ وكيف ستؤثر خياراتنا على مستقبل البشرية؟
يُقال: إن الزيادة السكانية هي أكبر تحدٍّ يواجهه البشر. فلم يبلغ تعداد البشر المليارَ نسمة حتى عام 1800، والآن أصبح يربو على 7 مليارات نسمة، ومن المقدر أن يبلغ 10 مليارات بحلول عام 2085. وعلى الرغم من أنها مسألة إشكالية، فهي كذلك دليل على نجاح نوعنا. ففي عالم تزداد فيه جودة التغذية والصحة والأمان، لم يعد ثمة مفر من حدوث انفجار سكاني. بل إنَّ الأمر المستغرَب فيما يتعلق بأعداد البشر هو أن معدل نموها لا يزداد سرعةً. وعوضًا عن تزايد سرعة معدلات الخصوبة لدى البشر — كما قد يُتوقَّع في ظل تلك الظروف الحسنة — فإنها في انخفاض في جميع أنحاء العالم. والسؤال هو: لماذا؟ 
أتزداد السعادة كلما زاد عدد الأطفال؟
الإجابة البديهية هي أنَّ إتاحة وسائل منع الحمل منحتنا السيطرة على مصيرنا الإنجابي؛ إذ أتاحت لنا الحدَّ من عدد الأطفال الذين ننجبهم. إلا أن تصرُّفنا على هذا النحو يمثِّل لغزًا محيِّرًا لمختصِّي علم الأحياء التطوري. فعلى أي حال، السبب الوحيد لوجودك على قيد الحياة لقراءة هذا النص هو انحدارك من سلسلة طويلة من أسلاف كانوا يجيدون التكاثر. ففي ظل الأوقات العصيبة والموارد النادرة، كانوا هم من نجحوا في توريث جيناتهم إلى الجيل التالي.
والآن صار البقاء أيسر كثيرًا لكثير منا، فلماذا لا نستغل تلك الميزة البيولوجية وننجب أطفالًا كُثُرًا؟ ولماذا تنزع شعوب أكثر مناطق العالم ثراءً إلى إنجاب أطفال أقل؟ وعلمًا بأن بعض الناس ما زالوا يؤثرون تكوين أُسَر كبيرة، ما التبعات المتوقَّعة لذلك على مستقبل جنسنا البشري؟
في المجتمعات التقليدية والنامية، ترتفع معدلات الإنجاب مع زيادة الثروة، ولكن ذلك النمط معكوس في الدول الصناعية الأكثر ثراءً، وهو ما يُعرَف بظاهرة التحول الديموغرافي. فمتوسط عدد الأطفال للمرأة الواحدة في الاتحاد الأوروبي مثلًا يبلغ نحو 1,6 طفل حاليًّا، وهي نسبة أقل بكثير من نسبة اﻟ 2,1 طفل اللازمة للحفاظ على استقرار عدد السكان. وقد حيَّرت ظاهرة التحول الديموغرافي علماء الأحياء عقودًا من الزمان؛ إذ إنها تبدو متنافية تمامًا مع المبادئ التطورية. ظاهريًّا، يبدو ميلنا إلى إنجاب أطفال أقل — كلما جمعنا ثروة أكبر — سوء تكيف، وفي ذلك انحراف عن المسار التطوري الصحيح. لكن ربما لا يُعتبر ذلك صحيحًا. ففي الواقع، قد يكون انخفاض معدل الخصوبة مفيدًا لعملية التطور على المدى البعيد؛ إذ يزيد الآباء تعداد نسلهم النهائي بتكثيف استثمارهم في عدد أقل من الأطفال، بما يضمن استمرار سلالتهم.
وقد جاء أول دليل ملموس على أنَّ تلك الفكرة قد يكون فيها شيء من الصحة عام 2008، عندما نشر ديفيد لوسون وروث ميس — من كلية لندن الجامعية — النتائج التي خلصت إليها دراسة أجرياها على 14 ألف طفل في المملكة المتحدة. فقد وجدا أنَّ الأطفال في الأسر كبيرة العدد يعانون من حيث قلة ما يخصصه لهم أبواهم من وقت ومال، وأنَّ لذلك تبعات سلبية على تطورهم التعليمي والبدني. وفي المقابل، كان أداء الأطفال في الأسر الأصغر أفضل في التقييم المدرسي، بل ومن المرجَّح أنهم كانوا أطول قامةً من الأطفال المنتمين إلى أُسَر أكبر عددًا (دورية ذي إنترناشونال جورنال أوف إبيدِميولوجي، المجلد 37، صفحة 1408).

العدد مقابل النوعية

إذن، فالآباء الذين يؤْثِرون أن ينجبوا عدد أطفال أقل ربما كان استثمارهم فيهم أكبر. إلا أنه من المنطلق التطوري، يظل السؤال المحوري التالي في حاجة إلى إجابة: هل تنتقل مزايا الثروة والأسرة صغيرة الحجم عبر الأجيال بحيث تسفر عن وجود أحفاد أكثر في نهاية المطاف؟ تتطلَّب الإجابة عن هذا السؤال وجود بيانات عن التعليم والثروة والإنجاب عبر عدة أجيال. واللافت للنظر أنَّ تلك المعلومات متاحة لدى مجموعة مكوَّنة من 14 ألف امرأة سويدية — وُلِدن في أوبسالا أثناء القرن التاسع عشر — وأحفادهن حتى يومنا هذا. وقد حلَّل لوسون وزملاؤه مجموعة البيانات تلك في الآونة الأخيرة. فما الذي تخبرنا به؟
تماشيًا مع الدراسة السابقة، كان من المرجَّح أن يذهب أحفاد نساء المجموعة الأصلية اللائي أنجبن عددًا أقل من الأطفال إلى الجامعة ويتقاضوا رواتب أعلى. إلا أن تلك السلالات التي استُثمِر فيها الكثير لم تكن أنجح على المدى البعيد. بل إنَّ الأمهات اللاتي أنجبن أطفالًا أكثر في المجموعة الأصلية صار أحفادهن اليوم أكبر عددًا (دورية بروسيدنجز أوف ذا رويال سوسايتي بي، المجلد 279، صفحة 4342). ويقول لوسون: «إنها علاقة وثيقة جدًّا تشير إلى أنَّ إنجاب أطفال أقل ليس فيه ميزة تكيفية، أو ميزة تجعل المرء أصلح للبقاء.»
فها هي النظرية قد ذهبت أدراج الرياح. إلا أنه قد يكون ثمة منطق تطوري يكمن وراء ظاهرة التحول الديموغرافي.
تشير سارة هِردي — مختصَّة علم الإنسان التطوري والأستاذ المتقاعد بجامعة كاليفورنيا في ديفيز — إلى أنَّ الانتخاب الطبيعي ما كان ليفضل النساء اللاتي كانت لديهن رغبة مُلِحَّة في إنجاب أطفال كُثُر؛ وذلك ببساطة لأنه في معظم تاريخ الجنس البشري، كانت أي امرأة تصلح للإباضة ستتزوج وتصير حُبلَى وتنجب أطفالًا. إلا أنَّ التطور كان سيفضل النساء الأنجح في التنافس على المكانة، التي كانت ستمنحهن موارد أكثر، وقدرًا أكبر من الأمان الشخصي، وفرصة أكبر للحصول على أزواج أكثر كفاءة. وهذا هو ما يشكِّل سلوكنا في المناطق المترفة من العالم الحديث. وتقول هِردي: «إذا كنت تعيش في مجتمع يقدِّر المكانة والدخل المرتفعَيْن، بحيث يتحدد وضعك وثِقَلُك محليًّا بنوع العمل ونوع التعليم الذي تحصل عليه؛ فسوف تمنح تلك الأشياء أولويةً على إنجاب الأطفال.»
ويرى لوسون أن الصلة بين الثروة الكبيرة والخصوبة المنخفضة تُعزَى إلى نشوء النزعة إلى بلوغ مكانة رفيعة. فيقول: «نعلم أن محاولة بلوغ المكانة الرفيعة والحصول على الثروة استراتيجية عالمية واضحة تُطَبَّق عن وعي؛ فالجميع يرغبون في أن يكونوا ناجحين ومحبوبين وموسِرين.» ويقول: إنه في معظم فترات الوجود البشري، كانت الرغبة في الجنس كافية لإيصال الناتج الإنجابي لدينا إلى حده الأقصى، إلا أنه في ظل الاقتصاد الحديث القائم على المهارة والعمالة المأجورة الذي نعيش فيه، يتعارض السعي إلى بلوغ المكانة الرفيعة مع إنجاب الأطفال. فقد تتوقع أن يكون الأثرياء قادرين على تحمل تكلفة إنجاب أطفال أكثر، ولكنهم إذا كانوا يشعرون بأنه واجب عليهم أن يوفِّروا لأولادهم أوجه الترف المصاحبة للمكانة الرفيعة؛ كإلحاقهم بمدارس خاصة، وتوفير الرعاية الصحية الجيدة لهم، فستقل قدرتهم على تحمل نفقات إنجاب الأطفال. ثم يقول لوسون: إن الخصوبة المنخفضة استراتيجية يستخدمها الأثرياء للحفاظ على الميزة التي يحظون بها؛ ومن ثمَّ، يجعلنا التطلع إلى المكانة الرفيعة عرضةً لاتخاذ قرارات إنجابية غير تكيفية تقلِّل فرصنا في توريث جيناتنا.
ولكن يبدو أنَّ بعضنا أقل عرضةً من الآخرين للتأثر بتلك القوة غير التكيفية. لا شك أن ثمة عوامل متعددة تؤثر على قراراتنا الإنجابية الفردية، ولكن أحدها له أهمية خاصة من المنطلَق التطوري. فيبدو أن الدافع لإنجاب الأطفال مبعثه جيناتنا إلى حد ما؛ فقد توصَّلَت دراسة دنماركية إلى أن التوائم المتطابقة كانت على الأرجح تنجب العدد نفسه من الأطفال مقارنةً بالتوائم غير المتطابقة. وقد كان ذلك التناغم أقوى فيما بين التوائم من النساء اللاتي أنجبن في منتصف القرن العشرين — عندما صارت وسائل منع الحمل متاحة على نطاق واسع — مقارنةً باللاتي أنجبن في أواخر القرن التاسع عشر؛ مما يشير إلى أن الشيء القابل للتوريث هو الدافع لإنجاب الأطفال (دورية بوبيوليشن آند دِفيلوبمنت ريفيو، المجلد 25، صفحة 253).
إذا كان بعضنا يعمل بكدٍّ ابتغاء المكانة الرفيعة على حساب إنجاب الأطفال، بينما ينجب البعض الآخر الأطفال بصرف النظر عن العواقب المالية والمهنية، فقد يخلِّف ذلك تبعات. يقول لوسون: «لأول مرة في تاريخ البشر، ربما يتأثر الانتخاب الطبيعي سلبيًّا بتراكم الثروة، وإيجابيًّا بالميل إلى الخصوبة المرتفعة بصرف النظر عن التكاليف الاقتصادية.»

شخصية الآباء

هل كان مروِّجو الإشاعات المقلِقة محِقِّين طوال الوقت؟ هل نحن أمام عملية هيمنة تدريجية لطبقة دنيا فقيرة، بينما تقل سلالات النخبة الناجحة تدريجيًّا؟
يبدو ذلك مستبعَدًا. بادئ ذي بدء، ليس ثمة سبب يدعونا إلى افتراض ارتباط الجينات المحفِّزة لإنجاب الأطفال بالطبقة الاجتماعية والاقتصادية. فعلى الرغم من الغموض المحيط بالعنصر الوراثي هنا، يشير بحث جديد أجرته آنا روتكيرش وزملاؤها في معهد أبحاث السكان بهلسنكي في فنلندا إلى أنَّ الشخصية لها تأثير كبير في احتمال إنجابنا الأطفال، وكذلك على تنظيمنا للحمل من عدمه (دورية جورنال أوف ريسيرش إن بِرسوناليتي، المجلد 47، صفحة 296). فقالت: «ينجب الرجال المنفتحون أطفالًا أكثر، مثلهم مثل النساء الأكثر مطاوعةً.» وأضافت: «النساء ذوات الضمير الحي ينجبن أطفالًا أقل؛ لأنهن يفعلن كل شيء على الوجه الأمثل ولا ينسين أمر وسائل منع الحمل.» والنساء «المنفتحات على تجارب الحياة» ينجبن أطفالًا أقل أيضًا؛ لأنهن يجدن أشياء كثيرة أخرى شائقة يقمن بها. ومن المعروف أن قابلية تلك الخِصال للتوريث كبيرة، ولكنها غير مرتبطة بطبقة الشخص الاجتماعية والاقتصادية.
إضافةً إلى ذلك، على الرغم من أن النتائج التي توصَّل إليها لوسون تشير إلى أنَّ إنجاب أطفال كُثُر يزيد الناس فقرًا؛ فإن الفقر لا يشجِّع الناس بالضرورة على إنجاب أطفال أكثر. بل يتبين من بحثه أنه في المجتمعات الغربية الحديثة لا يوجد فرق يُذكَر بين الأثرياء والفقراء في أعداد المواليد. ويقول لوسون: إننا — شعوب البلدان المتقدمة — نقف جميعًا على الجهة نفسها من عملية التحول الديموغرافي (انظر الرسم البياني)، وثمة ميل تجاه عدد أفراد الأسرة الصغير على مستويات الدخل كلها. على سبيل المثال: من بين 7,7 ملايين أسرة — تشتمل على أطفال معالين في المملكة المتحدة عام 2012 — كانت أسرة واحدة فقط من كل سبع أُسَر تتكون من أكثر من طفلين. بل إنَّ الإحصاءات الواردة عن بلدان أوروبية كثيرة تشير إلى أنَّ أعلى معدَّلات عدم الإنجاب توجد لدى أشد المواطنين فقرًا. وقد تفاقم ذلك الوضع إبَّان الركود الاقتصادي الأخير — على حد قول روتكيرش — وتزامن معه تزايد عدد الشباب الذين يضطرون إلى البقاء في منازل آبائهم؛ نظرًا لانعدام فرص العمل. 

لُغز تطوُّري

عندما تتوافر للحيوانات موارد أكثر، عادةً ما يزيد نسلها. فلماذا تنخفض معدلات المواليد إلى هذا الحد في أكثر بلدان العالم ترفًا؟ 























ولذا، ربما لا يزيد احتمال تكوين الفقراء لأسر كبيرة مقارنةً بالأغنى منهم، إلا أنَّ الاختلافات الفردية بيننا فيما يتعلق بعدد الأطفال الذين نفضِّل أن ننجبهم قد تظل عميقة الأثر على الجنس البشري. فمع تزايد أعداد الناس الذين يقررون أن يتخلَّوا عن فكرة إنجاب الأطفال في الغرب، سينشأ اتجاه يقول: إن أجيال المستقبل سينحدرون من الأشخاص الميالين إلى التكاثر. ومن ثم، قد يُعكَس مسار عملية التحول الديموغرافي وترتفع الخصوبة من جديد. وتقول روتكيرش: إنه من شأن الانتخاب الطبيعي أن يفضل على الفور السمات القابلة للتوريث مثل الشخصية والنزعة إلى «إنجاب أطفال».
ولكن ذلك لا يزال ضربًا من التكهنات إلى حدٍّ بعيد؛ كما تشير روتكيرش، وتقول: «ينبغي أن نصنع نماذج للضغوط التي تنطوي عليها عملية الانتخاب، وحريٌّ بنا أن نعرف الركائز الهرمونية والأسس الوراثية، ولكن هذا لا يحدث.» ولكن هِردي أكثر حذرًا منها، فتقول: «أساليب تحديد النسل لم توجد فترة كافية إلى الآن بحيث تفسح المجال أمام الانتخاب الطبيعي ليقع تأثيره. وإذا أجِّلت المسألة وقتًا كافيًا ربما يظهر تأثير الانتخاب الطبيعي، ولكنِّي أظننا نتحدث عن آلاف السنين في هذه الحالة.»
ويقول دانييل نيتل — عالم سلوكي بجامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة: إنَّ أي تغير تطوري إلى جانب كونه بطيئًا سيتأثر بالعوامل الثقافية. فإذا يسَّر المجتمع على الناس الجمع بين الأطفال والعمل — بإتاحة رعاية ميسورة التكلفة وعالية الجودة للطفل، وممارسات عمل مرنة — فلن نضطر إلى الاختيار بين الوظائف الصعبة وعدد الأطفال الذين نود أن ننجبهم. ويقول: «إن النساء يتبعن نهجًا استراتيجيًّا للغاية في استجابتهن للتغيرات الحادثة في سوق العمل — على جميع الأصعدة — وتتأرجح الخصوبة بدرجة هائلة بين الصعود والهبوط، حتى من عام لآخر.»
ومما لا شك فيه أنه إذا كان لوسون مصيبًا، فلن يكون حجم الأسرة هو الجانب الوحيد الذي سيتطور لدى الجنس البشري. ويقول: «يبدو أن الوعي بالمكانة هو السمة المحدِّدة لعالمنا الحديث، ولكن من المحتمل أن يتغير ذلك الوضع.» قد يستغرق ذلك وقتًا طويلًا، ولكن قد يكون له مزاياه. فمن المؤكد أن الحياة ستكون أكثر راحةً في عالم يبدي الناس فيه اهتمامًا أقل بمركزهم في الهرم الاجتماعي.

أسباب عدم الإنجاب

تشير الدراسات التي أُجرِيَت على التوائم إلى أنَّ دافع الفرد للإنجاب وراثيٌّ إلى حدٍّ ما، ومن المحتم أن يكون ذلك العامل الوراثي معقَّدًا، إلا أنَّ مفاتيح الحل آخذة في الظهور. أولًا: اكتُشِف أنَّ الشخصية — وفيها مكوِّن وراثي قوي — تؤثِّر على الخصوبة. والآن أعلن فريق بقيادة مِليندا ميلز في جامعة جرونينجن بهولندا — في بحث من المقرَّر أن يُنشر عمَّا قريب — عن تحديد عدة جينات ذات صلة بموعد الولادة الأولى وعدد الأطفال لدى الرجال والنساء على حدٍّ سواء.
كما أن للأقارب منفعة وراثية في إنجابنا. وبغية رسم صورة لكيفية تأثير العائلة على أنماط الخصوبة؛ حللت ريبيكا سير بالتعاون مع بول ماثيوز — في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة — بيانات مأخوذة من 1900 امرأة في المملكة المتحدة. فوجدا أنَّ احتمالية الحمل أكبر لدى النساء الأوثق صلةً بعائلتهن الموسَّعة، حتى مع وضع عوامل مثل الدخل والتعليم والدين والعِرْق في الاعتبار. وتقول سير: «يُقدِّم الأقارب دعمًا عملِيًّا مثل رعاية الطفل. وقد يُعزَى الأمر أيضًا إلى أشياء مثل الدعم المعنوي والتشجيع على إنجاب الأطفال.»
تنزع المرأة العاملة ذات الشخصية القيادية التي تتقاضى راتبًا مرتفعًا إلى إنجاب عدد قليل جدًّا من الأطفال؛ على الأقل في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وأليسون وولف — من كلية كينجز لندن، مؤلفة كتاب «العامل الأنثوي» (بروفايل بوكس، 2013) — تقول: إن المقايضة بين العمل والأسرة مختلفة تمامًا بالنسبة إلى المرأة ذات الشخصية القيادية، «فالمسألة لا تقتصر على أنك تخسرين مالًا عندما تبقين في المنزل، بل إنك إذا انقطعتِ عن العمل كليةً، ستختفين عن الأنظار ولن تنالي الترقيات ولن تتابعي آخر التطورات، ومن ثم يُرجَّح أن ينخفض مستوى أدائك عندما تعودين إلى العمل لاحقًا. ولكن بالنسبة إلى النساء اللاتي تشغلن مرتبةً أدنى في الدرج الاجتماعي والاقتصادي، لا يمثل ذلك معضلةً كبرى.»
وبصفة عامة، ليس ثمة صلة وثيقة بين الطبقة الاجتماعية والاقتصادية وبين حجم الأسرة، ولكن بتدقيق النظر تصير الصورة أكثر تعقيدًا. فقد وجد دانييل نيتل وتوماس بوليت — بجامعة نيوكاسل — أنه في المملكة المتحدة، عادةً ما تنجب المرأة منخفضة الدخل أطفالًا أكثر من المعدل المتوسط. ولكن بالنسبة للرجل ثمة علاقة ارتباطية إيجابية بين الدخل والخصوبة؛ إذ يُرَجَّح ألا ينجب أفقر الرجال أطفالًا. فالرجال محدودو الموارد يواجهون صعوبات جَمَّة في اجتذاب شريكة حياة ينجبون منها، على حد قول نيتل.
بل إن جانبًا بسيطًا مثل النسبة بين الجنسين على الصعيد المحلي قد يكون له تأثير. فقد أحصى فريق بقيادة كريستينا دورانتي — من جامعة تكساس في سان أنطونيو — الأعداد النسبية للرجال والنساء غير المتزوجين في سن الإنجاب في 50 ولاية أمريكية. وبالنظر إلى الدخول، وجدوا أنَّ النساء المقيمات في ولايات تقل فيها نسبة الرجال، عادةً ما يعملن في وظائف برواتب مرتفعة. وتشير دورانتي إلى أن عدم توافر شركاء لائقين يشجِّع النساء على ترجيح كفة العمل على إنجاب الأطفال. 

المصدر : مجلة نيو ساينتيست، المجلد 220، العدد 2940، الصفحات 46–49