يرى باحث سياسات الطاقة ريج بلات أن ثمة حاجة إلى الإنصات للمخاوف المتعلقة بالشكل
الجمالي، ولكنه في الوقت نفسه يعتقد أن الشكوك المثارة حول إمكانية الاعتماد على طاقة
الرياح في غير محلها.
لا يبدو موقع الجزر البريطانية على طرف القارة الأوروبية العاصف الجامح ميزة على الدوام،
ولكنه كذلك في جانب واحد مهم؛ إذ تمتلك المملكة المتحدة إمكانيات أعلى من أي بلد أوروبي
للاستفادة من طاقة الرياح، سواء الشاطئية أو البحرية.
انتشر استخدام طاقة الرياح الشاطئية في أرجاء المملكة المتحدة على نحو منتظم خلال السنوات
الأخيرة، وأصبح جزءًا رئيسيًّا من التزام الدولة نحو توليد الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة.
ولكن مع ازدياد عدد التوربينات في كافة أنحاء المناطق الريفية، ارتفعت أصوات المعارضة. وأصبحت
طاقة الرياح موضوعًا خلافيًّا للغاية في السياسة البريطانية.
تفجرت هذه المشكلة العامَ الماضي عندما قدَّم ١٠٦ أعضاء برلمانيين — معظمهم من المحافظين
ويمثلون الدوائر الريفية — رسالةً موقعةً إلى رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون، يحثونه فيها
على تقليل الدعم الموجه لصناعة طاقة الرياح الشاطئية، واصفين تكنولوجيا توليد الطاقة من الرياح
بأنها «غير فعالة ومتقطعة».
وتصاعدت الأمور في الخريف عندما صرح وزير الطاقة المحافظ المعيَّن حديثًا جون هايز لصحيفتين
قائلًا: «لقد طفح الكيل»، وأنه لن يُبنى المزيد من مزارع الرياح الشاطئية. تعرض هايز لانتقاد
شديد من قبل رئيسه إدوارد ديفي، وزير الدولة لشئون الطاقة وتغير المناخ وعضو الحزب الليبرالي
الديمقراطي. ومع ذلك ما زالت التوترات الشديدة قائمة في المستويات العليا من الحكومة
الائتلافية. ومن المعروف عن وزير المالية جورج أوزبورن — من المحافظين أيضًا — تأييده لقضية
مناهضة توليد الطاقة من الرياح. كذلك أصبحت توربينات الرياح نقطة خلاف مهمة بين الأحزاب في
الانتخابات الفرعية التي جرت مؤخرًا.
وتتمثل اثنتان من مخاوف مناهضي طاقة الرياح في تأثير التوربينات على الشكل الجمالي للريف
ومعارضة السكان المحليين، وكلاهما أمران جديران حقًّا بالأخذ في الاعتبار. لكن يجب الموازنة
بينهما وبين الرأي العام الذي يؤيد بشدة الاستخدام المتزايد لتوربينات الرياح.
بالمثل، يجب موازنة أي شكوك مع الدور المهم الذي يمكن لهذه التكنولوجيا أن تلعبه للمملكة
المتحدة، سواء في تحقيق التزاماتها نحو تغير المناخ أو في نجاحها الاقتصادي في المستقبل.
كثيرًا ما يتذرع مناهضو طاقة الرياح بادعاء وجود عيوب فيها. وتتمثل شكواهم الرئيسية في أن
التوربينات غير فعالة على الإطلاق لدرجة أنها تزيد بالفعل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولا
يمكن الاعتماد عليها لدرجة أنها تحتاج دعمًا مستمرًّا من محطات توليد الطاقة التقليدية التي
تعمل بالفحم والغاز.
إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، فسوف تقوض طاقة الرياح. لكنها ليست صحيحة.
نشرت مؤسستي — معهد بحوث السياسات العامة — مؤخرًا تقريرًا يتناول هذه القضايا. وكانت نتائجنا
واضحة. تقلل طاقة الرياح الشاطئية انبعاثات الكربون وتعد مصدرًا يمكن الاعتماد عليه لتوليد
الكهرباء؛ وذلك في ضوء قدرة طاقة الرياح المتوقع توليدها في المملكة المتحدة بحلول عام
٢٠٢٠.
للرد على قضية الكربون، استخدمنا نموذجًا بسيطًا من سوق الكهرباء في المملكة المتحدة. عندما
يزداد الطلب على الكهرباء، مثلًا في صباح يوم عمل عندما يستيقظ الناس ويستعدون للذهاب لأعمالهم،
تزيد محطات الطاقة من الإنتاج لتفي بهذا الطلب. ويختار السوق المحطات صاحبة أقل تكلفة حدية —
المحطات التي يمكنها إنتاج طاقة إضافية بأقل تكلفة ممكنة — أولًا. وهنا تتفوق الرياح على الغاز
والفحم، نظرًا لعدم الاحتياج لوقود من أجل توليد الكهرباء.
المحصلة هي — على نحو نظري — أن إضافة طاقة الرياح إلى خليط الطاقة من شأنه أن يقلل من الفحم
والغاز، ومن ثم يقلل من الكربون. وتستند تلك النتيجة إلى بيانات تجريبية حول خفض الانبعاثات
نتيجة استخدام طاقة الرياح في الولايات المتحدة.
ثمة طريقة أخرى للنظر للأمر. في عام ٢٠١١، أسهمت طاقة الرياح بحوالي ١٥٫٥ تيرا واط في الساعة
من كهرباء المملكة المتحدة. ولو أُنتجت هذه الطاقة باستخدام الوقود الحفري بدلًا من الرياح،
لزادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار ٥٫٥ ملايين طن متري بحد أدنى، و١٢ مليون طن متري بحد
أقصى.
أما بالنسبة لموضوع إمكانية الاعتماد على طاقة الرياح المهم، فإن الشاغل الواضح الذي يقلقنا
هو أنه بسبب عدم هبوب الرياح على نحو مستمر، سيصبح النظام في بعض الأوقات غير قادر على توفير
الكهرباء عند الحاجة لها.
يبدو ذلك منطقيًّا، بيد أن إمكانية الاعتماد على طاقة الرياح لا تتوقف على حالة الرياح
المتقلبة، بل تتوقف على مدى الدقة التي نستطيع أن نتوقع بها التغيرات في ناتج طاقة
الرياح.
تتزايد دقة توقعات ناتج مزارع طاقة الرياح، ومن ثم يمكن التنبؤ بانخفاض الناتج وتعويضه
باستخدام محطات الطاقة التقليدية. وعلى أية حال، يعد الناتج ثابتًا على نحو مدهش عبر شبكة مزارع
طاقة الرياح بأكملها على مستوى الدولة؛ فعندما لا تهب الرياح في إحدى المناطق، عادة ما تهب في
منطقة أخرى. والتغيرات البسيطة نسبيًّا التي تحدث بالفعل تقع في حدود إمكانيات النظم القائمة
المسئولة عن الموازنة بين الإمداد والطلب في الشبكة.
حتى عندما يباغتنا الشتاء «بفترة طويلة من البرد والهدوء» فتنخفض درجات الحرارة وتسكن الرياح،
يستطيع النظام أن يواجهها. وقد وضح ذلك من خلال فترة امتدت لأسبوعين في فبراير ٢٠١٠ في أيرلندا،
وهي البلد الذي يعتمد على الرياح بدرجة أكبر بكثير من المملكة المتحدة؛ إذ تعامل النظام مع هذه
الفترة على نحو رائع.
إذا ما استسلمت حكومة المملكة المتحدة للضغط وخفضت طموحاتها فيما يتعلق بطاقة الرياح
الشاطئية، فسوف تجعل صور توليد الطاقة من المصادر منخفضة الكربون الأكثر تكلفة ضرورةً حيوية من
أجل تحقيق هدف المملكة المتحدة المتمثل في إنتاج ٣٠ في المائة من طاقتها الكهربية من مصادر
متجددة بحلول عام ٢٠٢٠. وستكون نتيجة ذلك المزيد من ارتفاع قيمة فواتير الكهرباء.
كذلك فإن الحد من استخدام طاقة الرياح سيمثل فرصة ضائعة. فالمورد الطبيعي المتاح لنا، جنبًا
إلى جنب مع التراث الهندسي للمملكة المتحدة، يمكن أن يصنع نموًّا اقتصاديًّا كبيرًا ويخلق
المزيد من فرص العمل. إن علينا أن نضع في الحسبان مخاوف الأشخاص الذين لا يريدون مولدات طاقة
الرياح في جوارهم. كما يجب أن نكون مدركين لضرورة المحافظة على المناطق الطبيعية الخلابة. ولكن
لا ينبغي أن نضحي بفرص مهمة بسبب آراء أقليات ذات صوت مسموع وادعاءات غير مستندة إلى
دليل.