يُروَّج
في الولايات المتحدة أن الغاز الطبيعي هو الوقود الانتقالي الأفضل نحو
مستقبل منخفض الكربون. ولكن توجد أدلة جديدة تتحدى وعود الغاز الطبيعي.
في الولايات المتحدة، يبلغ حجم إنتاج الغاز الصخري ما يقرب من ربع الإنتاج الكلي من الغاز. |
سمعت
الفكرة لأول مرة وأنا على متن طائرة نفاثة خاصة في رحلة من نيويورك إلى
لندن. فملياردير النفط الأمريكي روبرت هيفنر الثالث — المعروف بأنه
«إمبراطور الغاز الطبيعي العميق» — عرض عليَّ توصيلي في هذه الرحلة من أجل
مناقشة كتاب كان يخطط لتأليفه. وربما لم تثِر دهشتي فكرةُ أن الغاز الطبيعي
سوف يحل مشكلة الإمداد الناتجة عن «ذروة إنتاج النفط» — عندما يبدأ
الإنتاج العالمي من النفط في الانخفاض — وسوف يقلل انبعاثات غازات الدفيئة
في الولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير للغاية؛ مما يجعله وقودًا انتقاليًّا
مثاليًّا نحو مستقبل منخفض الكربون.
مع وصول أسعار الغاز إلى مستويات قياسية في هذا الوقت، كنت متشككًا، وذلك أقل ما يقال. ولكن الأمور تغيرت؛ فاليوم، تفيض الولايات المتحدة بالغاز الرخيص، والفضل يعود جزئيًّا إلى القدرة المكتشفة حديثًا على استخراج كميات كبيرة من الغاز الصخري. إذنْ، هل يمكن أن يكون هيفنر، بالرغم من استفادته التجارية الواضحة، محقًّا طوال الوقت؟
كان نظير روبرت هيفنر الثالث وقطب النفط الآخر، تي بون بيكنز، يدعم أيضًا فكرة الغاز، وقد لاقت أفكار الاثنين دعمًا حماسيًّا فيما بين الشعب الأمريكي وفي الكونجرس. ولعل استبدال الغاز المنتج محليًّا بواردات النفط الأميركية يمنح أمنًا أفضل في مجال الطاقة، إضافةً إلى الفوائد الاقتصادية. مع ذلك، هل هذا هو المسار الأمثل لتقليص انبعاثات الكربون؟ إن الغاز الطبيعي — الذي يتكون أساسًا من الميثان — ربما تَنتج عنه كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون أقل من النفط والفحم عند الاحتراق، إلا أنه وفقًا لنتائج دراسة حديثة، هناك أمور حول انبعاثات غازات الدفيئة أكثر من مجرد عملية الاحتراق.
هناك بالفعل كميات من الغاز تفوق بكثير ما كان يبدو ممكنًا العثور عليه منذ بضع سنوات. ومعظمه يأتي من الصخر الطيني الصفحي؛ وهو طين متحجر عميق غني بالمواد العضوية التي تحوَّلت بفعل الزمن والضغط والحرارة إلى نفط وغاز. وخلال العَقد الماضي، مكَّن تطور أساليب التكسير الهيدروليكي شركات الغاز من فتح شقوق داخل الصخور بحيث يتسرب من خلالها الغاز إلى البئر. أما بالنسبة لموارد الغاز التقليدية، فهي مسامية ولا تحتاج إلى إحداث مثل هذه الشقوق. ورفع التكسير الهيدروليكي إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة من مستويات لا تُذكر في عام ٢٠٠٠ إلى ١٤٢ مليار متر مكعب في عام ٢٠١٠؛ أي ما يعادل تقريبًا خُمس الاستهلاك السنوي من الغاز في الولايات المتحدة. وتأمل دول أخرى في الوقت الراهن أن تكتشف الغاز داخل الصخور لديها.
إن التحول إلى استخدام الغاز في الماضي أدى إلى تقليص الانبعاثات؛ ففي تسعينيات القرن العشرين، بدأت المملكة المتحدة في التحول من الفحم إلى الغاز لتوليد الكهرباء وخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الكهرباء لديها بنسبة ٢٢٪ على مدار العقد. فلا عجب، إذنْ، من تعويل بعض المعلقين في قطاع الطاقة على الغاز الصخري كبديل لتوربينات الرياح، التي ينتقدونها لارتفاع تكلفتها وعدم إمكانية الاعتماد عليها.
وفي عام ٢٠٠٩، صدر أخيرًا كتاب «التحول الكبير في الطاقة» لروبرت هيفنر، ويشير من خلاله إلى أن استبدال الغاز الطبيعي المضغوط بالبنزين والديزل في السيارات يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى ٣٠٪. وتحويل السيارات في العالم إلى الغاز الطبيعي المضغوط سيمثل «خطوة كبيرة إلى الأمام لتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم». ويؤكد هيفنر أن المركبات التي تسير بالغاز الطبيعي المضغوط، مثل سيارة «هوندا سيفيك ناتشرال جاز»، «سوف تكون دومًا أكثر محافظة على البيئة» من المركبات الهجينة القابلة للشحن التي تسير بالطاقة الكهربائية، على غرار سيارة «شيفروليه فولت»، طالما أنها تحصل على معظم طاقتها الكهربية من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم.
لكن هل تدعم الإحصائيات ما يقول؟ وفقًا للمختبر الأمريكي «أرجون ناشونال لابوراتوري»، يُنتِج البنزين — على مدار دورة حياته، من المصدر وحتى الاستخدام — ٣٣٤ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط ساعي من الطاقة التي يتضمنها، مقارنةً بانبعاثات الغاز الطبيعي المضغوط البالغة ٢٩٧ جرامًا. ووفقًا للأرقام الصادرة عن وكالة حماية البيئة الأمريكية (المعروفة اختصارًا ﺑ «إي بي إيه»)، فإن طرازَي السيارة «هوندا سيفيك» اللذين يسيران بالبنزين والغاز الطبيعي المضغوط يقطعان نفس المسافة لكل كيلوواط ساعي؛ وذلك يعني أن الانبعاثات الناتجة عن السيارة التي تسير بالغاز الطبيعي المضغوط هي ١٧٣ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر، أي أقل بنسبة ١١ بالمائة من الانبعاثات الناتجة عن السيارة التي تسير بالبنزين (انظر الرسم المرفق).
على النقيض من ذلك، تستقي السيارة الهجينة القابلة للشحن الطاقةَ من الشبكة، التي تُنتج في الولايات المتحدة كمية ضخمة تبلغ ٧٥٥ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط ساعي؛ وبذلك — على غرار هيفنر — لنا أن نفترض أن انبعاثات سيارة «فولت» ستكون عاليةً على نحوٍ متناسب. ولكن المحركات الكهربية تغيِّر الصورة لأنها أكثر كفاءة من محركات الاحتراق الداخلي؛ ففي الموديلات التي تعمل بالنظام الكهربائي الكامل، تُنتج السيارة «فولت» انبعاثات تبلغ ١٦٨ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر، وهو ما يقل على نحو ضئيل عن السيارة «سيفيك» التي تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط. أما السيارة «نيسان ليف» التي تعمل بالنظام الكهربائي الكامل فأداؤها أفضل؛ حيث تُنتج ١٦٠ جرامًا فقط من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر.
حتى الآن، لا يستطيع الغاز مضاهاة الكهرباء في تقليل الانبعاثات من السيارات. والأكثر من ذلك أنه إذا شُحنت السيارة «ليف» بالكهرباء في أوروبا — حيث تقل انبعاثات الكربون من الشبكة عن الانبعاثات في الولايات المتحدة — فإن الانبعاثات الناتجة عن السيارة «ليف» سوف تقل إلى ٩٩ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر. وسوف تواصل الانبعاثات الناتجة عن السيارات الكهربائية الانخفاض بينما يصبح توليد الطاقة الكهربائية أكثر نظافة.
مع ذلك، فإن الغاز الطبيعي المضغوط ليس حلًّا لتقليل الانبعاثات. وحتى إذا كان من الممكن تقليلها بنسبة ٣٠ بالمائة كما أشار هيفنر، فإن الميثان يحترق لينتج ثاني أكسيد الكربون؛ لذا فإن نسبة اﻟ ٧٠ بالمائة الباقية سوف تواصل الخروج من أنابيب العادم. «إلى حدٍّ كبير، أفضل طريقة للقضاء على عوادم السيارات هي التخلص من أنابيب إخراج العوادم»، وذلك وفقًا لما يقوله جاري كيندال، الكيميائي السابق في شركة إكسون الذي يعمل الآن في إطار برنامج «كامبريدج للقيادة المستدامة» في جنوب أفريقيا. ويضيف قائلًا: «وذلك يعني التحول إلى السيارات الكهربائية، والتي تصبح أكثر نظافة باستخدام مزيج الكهرباء، وهذه السيارات هي الوحيدة القادرة على القضاء على الانبعاثات تمامًا.»
وتشير بيانات الانبعاثات ضمنيًّا إلى أن حرق الغاز الطبيعي في محطات الطاقة وتشغيل السيارات بالكهرباء التي تنتج عنها؛ أمر منطقي أكثر من ضغط الغاز وحرقه في محركات السيارات. وربما يشير ذلك إلى أن الغاز الطبيعي لا يزال بإمكانه المساعدة في تقليل الانبعاثات من خلال استبداله بالفحم في مصانع الطاقة. ولكن الصورة هنا مرة أخرى ليست بالبساطة التي تريدنا صناعة الغاز أن نصدقها.
يتمثل أحد أسباب ذلك في أن الغاز ربما لا يكون نظيفًا مثلما يعتقد كثير من الأشخاص؛ فالميثان غاز أكثر تأثيرًا في ظاهرة الاحتباس الحراري من ثاني أكسيد الكربون، وينبعث الكثير منه على نحوٍ غير مقصود من الآبار. وهذه الانبعاثات «الانفلاتية» تصنع فارقًا كبيرًا في انبعاثات دورة حياة الغاز الطبيعي.
حلل روبرت هاوارث وفريقه من جامعة كورنيل في إيثاكا بنيويورك البيانات الرسمية للانبعاثات من آبار الغاز التقليدية وخمسة آبار من الغاز الناتج بالتكسير الهيدروليكي؛ ووجدوا أن انبعاثات الميثان الناتجة عن الآبار غير التقليدية أعلى على الأقل بنسبة ٣٠ بالمائة من الانبعاثات الناتجة عن الآبار التقليدية، وربما تكون أعلى بنسبة تزيد عن ١٠٠ بالمائة (كلايميت تشانج ليترز، المجلد ١٠٦، صفحة ٦٧٩).
تتضمن عملية التكسير الهيدروليكي ضخ المياه والمواد الكيماوية بضغط عالٍ نحو الصخر الطيني الصفحي لتكسير الأحجار. ويعود كثير من السوائل إلى السطح في الأسابيع التالية، قبل عزل البئر وتنصيب خط الأنابيب. ويخرج الميثان مع السوائل، ويقدر هاوارث أن هذه الانبعاثات يمكن أن تصل إلى ١٫٩ بالمائة من الانبعاثات الكلية للبئر. ويمكن للتسربات اللاحقة الصادرة عن عمليات أخرى تتم بواسطة الأنابيب رفع مجموع الانبعاثات الانفلاتية إلى ما يوازي ٨ بالمائة من انبعاثات البئر خلال فترة حياته. وهذه التسربات اللاحقة تشترك فيها أيضًا آبار الغاز التقليدية.
بعد ذلك، قارن هاوارث وزملاؤه بصمة غازات الدفيئة للغاز الطبيعي مع بصمتي النفط والفحم؛ وخلصوا إلى أنه خلال عشرين عامًا، يُنتج الغاز الصخري ما يوازي ضعف كمية ما ينتجه الفحم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة طاقة يحتوي عليها. وحتى عندما نضع في الاعتبار الفاعلية الأكبر لمحطات الطاقة التي تعمل بالغاز على التي تعمل بالفحم، فإن الكهرباء الناتجة عن الغاز الصخري كانت لا تزال تطلق مكافئ ثاني أكسيد الكربون أكثر من الفحم بنسبة ٤٠ بالمائة. والغاز الناتج من الآبار التقليدية لا يفعل أفضل من ذلك كثيرًا. ويضيف هاوارث قائلًا: هذه النتائج «بالتأكيد تدعو إلى التشكيك في فكرة استخدام الغاز الصخري كوقود انتقالي».
أثارت الأبحاث الاحتجاج من جانب صناعة الغاز وبعض الأكاديميين؛ فجودة البيانات سيئة — كما يقولون — والفترة الزمنية البالغة ٢٠ عامًا قصيرة للغاية، وقد افترض فريق هاوارث أن الميثان غاز من غازات الدفيئة أكثر تأثيرًا مما هو عليه حقًّا. ويوافق هاوارث على أن أرقام الانبعاثات شحيحة وتقريبية، ولكنها أفضل المتاح.
وقد دافع عن عمله ضد الانتقادات الأخرى؛ فعلى سبيل المثال، وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (المعروفة اختصارًا ﺑ «آي بي سي سي»)، فإن احتمالية رفع الميثان لدرجة حرارة المناخ هي ٧٢ ضعف احتمالية ثاني أكسيد الكربون خلال ٢٠ عامًا. ولكن لأنه يظل في الجو لعُشر مدة بقاء ثاني أكسيد الكربون فحسب، فإن هذه الاحتمالية تنخفض إلى ٢٥ ضعفًا فقط على مدار ١٠٠ عام. مع ذلك، يستخدم هاوارث قيمتَي ١٠٥ و٣٣ على التوالي، اللتين تتضمنان التأثير المضاف الذي يتركه الميثان على الجو؛ إذ إن الميثان يقلل تركيز الضبوب، وهي جسيمات صغيرة تعمل على تبريد الكوكب.
وبينما أصر الكثير من علماء المناخ على الإطار الزمني البالغ ١٠٠ عام، شدد هاوارث على فترة اﻟ ٢٠ عامًا بسبب الحاجة إلى بدء تقليل انبعاثات غازات الدفيئة في العقود القادمة؛ فقد ذهب إلى أن خفض انبعاثات الميثان الآن سيكون له تأثير على درجات الحرارة العالمية أسرع من تأثير خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأن هذا سيمنحنا مزيدًا من الوقت لتفعيل خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وأردف قائلًا: «دون السيطرة على الميثان، فإننا غارقون في كثير من المشاكل.»
إن الموقف الفعلي حيال انبعاثات الغاز الصخري وكيفية تفسير تأثيرها لا يزال موضع جدل. ومع أن بحث هاوارث هو أول ورقة بحثية تخضع لمراجعة الأقران حول انبعاثات الميثان من الغاز الصخري، فإن ثمة دراسات أخرى تستخدم قيم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حول احتمالات الاحتباس الحراري العالمي وإطار زمني يبلغ ١٠٠ عام، وتوصلت هذه الدراسات إلى انبعاثات دورة حياة أقل كثيرًا، تصدر من الغاز الصخري، مع أنها جميعًا تبين تزايد الانبعاثات الناتجة عن الغاز الطبيعي بوجه عام. وفي العام المنصرم، رفعت وكالة حماية البيئة الأمريكية تقديراتها للانبعاثات الانفلاتية. وثمة دراسة أجراها بنك «دويتشه بنك» الألماني ومنظمة «وورلد ووتش إنِستيتيوت» البحثية التي يقع مقرها في العاصمة واشنطن، تظهر أن هذه المراجعة تزيد انبعاثات دورة الحياة من غازات الدفيئة للكهرباء المُولَّدة بالغاز، ولكن فحسب إلى مستوى يبلغ نصف مستوى الانبعاثات الناتجة عن الكهرباء المُولَّدة بالفحم.
ويمكن تقليل الانبعاثات الانفلاتية من آبار الغاز الصخري إلى حدٍّ كبير باستخدام أدوات لالتقاطها في موقع البئر، وقد اقترحت وكالة حماية البيئة الأمريكية قانونًا يشجع على ذلك. ويقول لورانس كاثليس — الذي يعمل أيضًا في جامعة كورنيل — في نقده لبحث هاوارث إن إجراءات تقليل الانبعاثات الانفلاتية متخذة بالفعل.
وتقول جابرييل بترون، التي تعمل في الجامعة وفي الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة: «يوجد في الهواء ضعف كمية الغاز مقارنةً بما تتوقعه الولاية وصناعة الغاز.» وهي تعتقد أن اكتشافات الفريق — التي ستُنشر قريبًا في «جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرش» — تستكمل نتائج هاوارث، ولكنها تؤكد على الحاجة إلى مزيد من القياسات.
ومن جهة، لا يُعد المستوى المحدد من الانبعاثات الناتجة عن الآبار غير التقليدية ذا صلة، فحتى إذا اتضح أن الغاز الطبيعي «نظيف» كما هو معتقد عن الغاز التقليدي، فإنه لا يزال غير قادر على تحقيق خفض الانبعاثات الذي يشير إليه علماء المناخ من أجل تجنب التغير المناخي الخطير.
أحد الأسباب يتمثل في أن الحاجة العالمية للطاقة قوية للغاية لدرجة أن «استبدال» الغاز بالفحم لتوليد الكهرباء يبدو أمرًا خياليًّا الآن؛ ففي الولايات المتحدة والصين — أكبر دولتين مسببتين للتلوث في العالم — من المتوقع زيادة استهلاك الفحم والغاز خلال اﻟ ٢٥ سنة القادمة. وبذلك فإنه في أفضل الحالات، سوف تقلل زيادة إنتاج الغاز مستوى تزايد الانبعاثات الناجمة عن الفحم، ولكنها لن تقلل الانبعاثات على نحوٍ مطلق. ويقول كيفين أندرسون، أستاذ الطاقة وتغير المناخ في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة: «في عالمٍ يلح في طلبه للحصول على الطاقة، يعني استغلال مصدر جديد مثل الغاز الصخري أن الانبعاثات سوف تزيد، ولن تقل.»
حتى في الأماكن التي لا ينمو فيها استخدام الطاقة نموًّا حادًّا، حيث يبدو من المعقول استبدال الغاز بالفحم على نحوٍ تام، فإن هذه الاستراتيجية من المرجح ألا تحقق مستوى الانبعاثات المطلوب. فعلى سبيل المثال، لمنع تغير المناخ الخطير في الاتحاد الأوروبي، فإنه يحتاج إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة ٨٠ بالمائة من مستويات عام ١٩٩٠ بحلول عام ٢٠٥٠. ووفقًا للجنة المعنية بالتغييرات المناخية — التي تقدم الاستشارات لحكومة المملكة المتحدة — فهذا يعني الحاجة إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الكهرباء، من قرابة ٥٠٠ جرام لكل كيلوواط ساعي اليوم إلى ٥٠ جرامًا لكل كيلوواط ساعي بحلول عام ٢٠٣٠. وتُنتج أكثر مصانع الطاقة فاعلية زهاء ٤٤٠ جرامًا لكل كيلوواط ساعي؛ لذا ربما يقلل الغاز من الانبعاثات على المدى القريب، ولكنه سيجعل الأهداف التالية أكثر صعوبة.
ومن الواضح أن موقف الغاز الطبيعي كوقود انتقالي نحو مستقبل منخفض الكربون أضعف مما تريد منا صناعة الغاز أن نعتقده. إنه بالتأكيد ليس الدواء الشافي لكل مشكلاتنا مع انبعاثات غازات الدفيئة.
ويخلص البعض إلى أنه ليس حلًّا على الإطلاق؛ ففي نوفمبر الماضي، شارك أندرسون في تقرير قدمه «مركز تيندال لأبحاث تغيرات المناخ» حول إمكانيات الغاز الصخري بالنسبة للمملكة المتحدة. وخلص إلى أن «الغاز الصخري لا يقدم أي إمكانية ذات قيمة ولو كوقود انتقالي». ومن المرجح أن يُثبت استخدام الغاز الصخري الآن أنه «قرار اقتصادي غير حكيم أو [سوف] يهدد السمعة الدولية للمملكة المتحدة في مجال تغير المناخ». وجاء في التقرير أن الأفضل كثيرًا منه هو التوجه نحو الجائزة الكبرى والاستثمار في تكنولوجيات الطاقة المستخدمة للكربون شديد الانخفاض.
وبالطبع، لم يجعل أيٌّ من ذلك صناعةَ الغاز تتراجع عن حملتها؛ فبعد هبوط طائرة هيفنر النفاثة الخاصة في المملكة المتحدة، تحدث هيفنر سريعًا عبر الهاتف مع وحدة حفر الآبار التي كانت على وشك حفر خزان غاز جديد. وكم كانت قيمة الغاز الذي من المتوقع أن ينتجه الخزان؟ ٨ مليارات دولار.
مع وصول أسعار الغاز إلى مستويات قياسية في هذا الوقت، كنت متشككًا، وذلك أقل ما يقال. ولكن الأمور تغيرت؛ فاليوم، تفيض الولايات المتحدة بالغاز الرخيص، والفضل يعود جزئيًّا إلى القدرة المكتشفة حديثًا على استخراج كميات كبيرة من الغاز الصخري. إذنْ، هل يمكن أن يكون هيفنر، بالرغم من استفادته التجارية الواضحة، محقًّا طوال الوقت؟
كان نظير روبرت هيفنر الثالث وقطب النفط الآخر، تي بون بيكنز، يدعم أيضًا فكرة الغاز، وقد لاقت أفكار الاثنين دعمًا حماسيًّا فيما بين الشعب الأمريكي وفي الكونجرس. ولعل استبدال الغاز المنتج محليًّا بواردات النفط الأميركية يمنح أمنًا أفضل في مجال الطاقة، إضافةً إلى الفوائد الاقتصادية. مع ذلك، هل هذا هو المسار الأمثل لتقليص انبعاثات الكربون؟ إن الغاز الطبيعي — الذي يتكون أساسًا من الميثان — ربما تَنتج عنه كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون أقل من النفط والفحم عند الاحتراق، إلا أنه وفقًا لنتائج دراسة حديثة، هناك أمور حول انبعاثات غازات الدفيئة أكثر من مجرد عملية الاحتراق.
هناك بالفعل كميات من الغاز تفوق بكثير ما كان يبدو ممكنًا العثور عليه منذ بضع سنوات. ومعظمه يأتي من الصخر الطيني الصفحي؛ وهو طين متحجر عميق غني بالمواد العضوية التي تحوَّلت بفعل الزمن والضغط والحرارة إلى نفط وغاز. وخلال العَقد الماضي، مكَّن تطور أساليب التكسير الهيدروليكي شركات الغاز من فتح شقوق داخل الصخور بحيث يتسرب من خلالها الغاز إلى البئر. أما بالنسبة لموارد الغاز التقليدية، فهي مسامية ولا تحتاج إلى إحداث مثل هذه الشقوق. ورفع التكسير الهيدروليكي إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة من مستويات لا تُذكر في عام ٢٠٠٠ إلى ١٤٢ مليار متر مكعب في عام ٢٠١٠؛ أي ما يعادل تقريبًا خُمس الاستهلاك السنوي من الغاز في الولايات المتحدة. وتأمل دول أخرى في الوقت الراهن أن تكتشف الغاز داخل الصخور لديها.
إن التحول إلى استخدام الغاز في الماضي أدى إلى تقليص الانبعاثات؛ ففي تسعينيات القرن العشرين، بدأت المملكة المتحدة في التحول من الفحم إلى الغاز لتوليد الكهرباء وخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الكهرباء لديها بنسبة ٢٢٪ على مدار العقد. فلا عجب، إذنْ، من تعويل بعض المعلقين في قطاع الطاقة على الغاز الصخري كبديل لتوربينات الرياح، التي ينتقدونها لارتفاع تكلفتها وعدم إمكانية الاعتماد عليها.
تطبيــق التحــوُّل
يرى مؤيدون لاستخدام الغاز أن فوائده يجب ألا تقتصر على مسألة توليد الكهرباء. وحتى بيكنز أعد خطة باسم «خطة بيكنز»، وهي مشروع لاستبدال البنزين ووقود الديزل في وسائل النقل. ويقول بيكنز بما أن الغاز الطبيعي المضغوط يُباع بنصف سعر وقود الديزل، «فإننا أغبياء إذا لم نفعل ذلك». وقد خصص هو وغيره مليار دولار لإنشاء محطات تزويد بالغاز المضغوط، كما يشكلون جماعة ضغط على الكونجرس من أجل تمرير مشروع قانون لدعم المركبات التي تعمل بالغاز الطبيعي.وفي عام ٢٠٠٩، صدر أخيرًا كتاب «التحول الكبير في الطاقة» لروبرت هيفنر، ويشير من خلاله إلى أن استبدال الغاز الطبيعي المضغوط بالبنزين والديزل في السيارات يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى ٣٠٪. وتحويل السيارات في العالم إلى الغاز الطبيعي المضغوط سيمثل «خطوة كبيرة إلى الأمام لتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم». ويؤكد هيفنر أن المركبات التي تسير بالغاز الطبيعي المضغوط، مثل سيارة «هوندا سيفيك ناتشرال جاز»، «سوف تكون دومًا أكثر محافظة على البيئة» من المركبات الهجينة القابلة للشحن التي تسير بالطاقة الكهربائية، على غرار سيارة «شيفروليه فولت»، طالما أنها تحصل على معظم طاقتها الكهربية من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم.
لكن هل تدعم الإحصائيات ما يقول؟ وفقًا للمختبر الأمريكي «أرجون ناشونال لابوراتوري»، يُنتِج البنزين — على مدار دورة حياته، من المصدر وحتى الاستخدام — ٣٣٤ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط ساعي من الطاقة التي يتضمنها، مقارنةً بانبعاثات الغاز الطبيعي المضغوط البالغة ٢٩٧ جرامًا. ووفقًا للأرقام الصادرة عن وكالة حماية البيئة الأمريكية (المعروفة اختصارًا ﺑ «إي بي إيه»)، فإن طرازَي السيارة «هوندا سيفيك» اللذين يسيران بالبنزين والغاز الطبيعي المضغوط يقطعان نفس المسافة لكل كيلوواط ساعي؛ وذلك يعني أن الانبعاثات الناتجة عن السيارة التي تسير بالغاز الطبيعي المضغوط هي ١٧٣ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر، أي أقل بنسبة ١١ بالمائة من الانبعاثات الناتجة عن السيارة التي تسير بالبنزين (انظر الرسم المرفق).
الطريق نحو قيادة أكثر نظافة: الانبعاثات الناتجة من السيارات لا تعتمد فحسب على كثافة الكربون في مصدر طاقتها، ولكن أيضًا على كيفية استخراج هذه الطاقة واستخدامها. |
على النقيض من ذلك، تستقي السيارة الهجينة القابلة للشحن الطاقةَ من الشبكة، التي تُنتج في الولايات المتحدة كمية ضخمة تبلغ ٧٥٥ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوواط ساعي؛ وبذلك — على غرار هيفنر — لنا أن نفترض أن انبعاثات سيارة «فولت» ستكون عاليةً على نحوٍ متناسب. ولكن المحركات الكهربية تغيِّر الصورة لأنها أكثر كفاءة من محركات الاحتراق الداخلي؛ ففي الموديلات التي تعمل بالنظام الكهربائي الكامل، تُنتج السيارة «فولت» انبعاثات تبلغ ١٦٨ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر، وهو ما يقل على نحو ضئيل عن السيارة «سيفيك» التي تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط. أما السيارة «نيسان ليف» التي تعمل بالنظام الكهربائي الكامل فأداؤها أفضل؛ حيث تُنتج ١٦٠ جرامًا فقط من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر.
حتى الآن، لا يستطيع الغاز مضاهاة الكهرباء في تقليل الانبعاثات من السيارات. والأكثر من ذلك أنه إذا شُحنت السيارة «ليف» بالكهرباء في أوروبا — حيث تقل انبعاثات الكربون من الشبكة عن الانبعاثات في الولايات المتحدة — فإن الانبعاثات الناتجة عن السيارة «ليف» سوف تقل إلى ٩٩ جرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر. وسوف تواصل الانبعاثات الناتجة عن السيارات الكهربائية الانخفاض بينما يصبح توليد الطاقة الكهربائية أكثر نظافة.
مع ذلك، فإن الغاز الطبيعي المضغوط ليس حلًّا لتقليل الانبعاثات. وحتى إذا كان من الممكن تقليلها بنسبة ٣٠ بالمائة كما أشار هيفنر، فإن الميثان يحترق لينتج ثاني أكسيد الكربون؛ لذا فإن نسبة اﻟ ٧٠ بالمائة الباقية سوف تواصل الخروج من أنابيب العادم. «إلى حدٍّ كبير، أفضل طريقة للقضاء على عوادم السيارات هي التخلص من أنابيب إخراج العوادم»، وذلك وفقًا لما يقوله جاري كيندال، الكيميائي السابق في شركة إكسون الذي يعمل الآن في إطار برنامج «كامبريدج للقيادة المستدامة» في جنوب أفريقيا. ويضيف قائلًا: «وذلك يعني التحول إلى السيارات الكهربائية، والتي تصبح أكثر نظافة باستخدام مزيج الكهرباء، وهذه السيارات هي الوحيدة القادرة على القضاء على الانبعاثات تمامًا.»
وتشير بيانات الانبعاثات ضمنيًّا إلى أن حرق الغاز الطبيعي في محطات الطاقة وتشغيل السيارات بالكهرباء التي تنتج عنها؛ أمر منطقي أكثر من ضغط الغاز وحرقه في محركات السيارات. وربما يشير ذلك إلى أن الغاز الطبيعي لا يزال بإمكانه المساعدة في تقليل الانبعاثات من خلال استبداله بالفحم في مصانع الطاقة. ولكن الصورة هنا مرة أخرى ليست بالبساطة التي تريدنا صناعة الغاز أن نصدقها.
يتمثل أحد أسباب ذلك في أن الغاز ربما لا يكون نظيفًا مثلما يعتقد كثير من الأشخاص؛ فالميثان غاز أكثر تأثيرًا في ظاهرة الاحتباس الحراري من ثاني أكسيد الكربون، وينبعث الكثير منه على نحوٍ غير مقصود من الآبار. وهذه الانبعاثات «الانفلاتية» تصنع فارقًا كبيرًا في انبعاثات دورة حياة الغاز الطبيعي.
حلل روبرت هاوارث وفريقه من جامعة كورنيل في إيثاكا بنيويورك البيانات الرسمية للانبعاثات من آبار الغاز التقليدية وخمسة آبار من الغاز الناتج بالتكسير الهيدروليكي؛ ووجدوا أن انبعاثات الميثان الناتجة عن الآبار غير التقليدية أعلى على الأقل بنسبة ٣٠ بالمائة من الانبعاثات الناتجة عن الآبار التقليدية، وربما تكون أعلى بنسبة تزيد عن ١٠٠ بالمائة (كلايميت تشانج ليترز، المجلد ١٠٦، صفحة ٦٧٩).
تتضمن عملية التكسير الهيدروليكي ضخ المياه والمواد الكيماوية بضغط عالٍ نحو الصخر الطيني الصفحي لتكسير الأحجار. ويعود كثير من السوائل إلى السطح في الأسابيع التالية، قبل عزل البئر وتنصيب خط الأنابيب. ويخرج الميثان مع السوائل، ويقدر هاوارث أن هذه الانبعاثات يمكن أن تصل إلى ١٫٩ بالمائة من الانبعاثات الكلية للبئر. ويمكن للتسربات اللاحقة الصادرة عن عمليات أخرى تتم بواسطة الأنابيب رفع مجموع الانبعاثات الانفلاتية إلى ما يوازي ٨ بالمائة من انبعاثات البئر خلال فترة حياته. وهذه التسربات اللاحقة تشترك فيها أيضًا آبار الغاز التقليدية.
بعد ذلك، قارن هاوارث وزملاؤه بصمة غازات الدفيئة للغاز الطبيعي مع بصمتي النفط والفحم؛ وخلصوا إلى أنه خلال عشرين عامًا، يُنتج الغاز الصخري ما يوازي ضعف كمية ما ينتجه الفحم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة طاقة يحتوي عليها. وحتى عندما نضع في الاعتبار الفاعلية الأكبر لمحطات الطاقة التي تعمل بالغاز على التي تعمل بالفحم، فإن الكهرباء الناتجة عن الغاز الصخري كانت لا تزال تطلق مكافئ ثاني أكسيد الكربون أكثر من الفحم بنسبة ٤٠ بالمائة. والغاز الناتج من الآبار التقليدية لا يفعل أفضل من ذلك كثيرًا. ويضيف هاوارث قائلًا: هذه النتائج «بالتأكيد تدعو إلى التشكيك في فكرة استخدام الغاز الصخري كوقود انتقالي».
أثارت الأبحاث الاحتجاج من جانب صناعة الغاز وبعض الأكاديميين؛ فجودة البيانات سيئة — كما يقولون — والفترة الزمنية البالغة ٢٠ عامًا قصيرة للغاية، وقد افترض فريق هاوارث أن الميثان غاز من غازات الدفيئة أكثر تأثيرًا مما هو عليه حقًّا. ويوافق هاوارث على أن أرقام الانبعاثات شحيحة وتقريبية، ولكنها أفضل المتاح.
وقد دافع عن عمله ضد الانتقادات الأخرى؛ فعلى سبيل المثال، وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (المعروفة اختصارًا ﺑ «آي بي سي سي»)، فإن احتمالية رفع الميثان لدرجة حرارة المناخ هي ٧٢ ضعف احتمالية ثاني أكسيد الكربون خلال ٢٠ عامًا. ولكن لأنه يظل في الجو لعُشر مدة بقاء ثاني أكسيد الكربون فحسب، فإن هذه الاحتمالية تنخفض إلى ٢٥ ضعفًا فقط على مدار ١٠٠ عام. مع ذلك، يستخدم هاوارث قيمتَي ١٠٥ و٣٣ على التوالي، اللتين تتضمنان التأثير المضاف الذي يتركه الميثان على الجو؛ إذ إن الميثان يقلل تركيز الضبوب، وهي جسيمات صغيرة تعمل على تبريد الكوكب.
وبينما أصر الكثير من علماء المناخ على الإطار الزمني البالغ ١٠٠ عام، شدد هاوارث على فترة اﻟ ٢٠ عامًا بسبب الحاجة إلى بدء تقليل انبعاثات غازات الدفيئة في العقود القادمة؛ فقد ذهب إلى أن خفض انبعاثات الميثان الآن سيكون له تأثير على درجات الحرارة العالمية أسرع من تأثير خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وأن هذا سيمنحنا مزيدًا من الوقت لتفعيل خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وأردف قائلًا: «دون السيطرة على الميثان، فإننا غارقون في كثير من المشاكل.»
إن الموقف الفعلي حيال انبعاثات الغاز الصخري وكيفية تفسير تأثيرها لا يزال موضع جدل. ومع أن بحث هاوارث هو أول ورقة بحثية تخضع لمراجعة الأقران حول انبعاثات الميثان من الغاز الصخري، فإن ثمة دراسات أخرى تستخدم قيم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ حول احتمالات الاحتباس الحراري العالمي وإطار زمني يبلغ ١٠٠ عام، وتوصلت هذه الدراسات إلى انبعاثات دورة حياة أقل كثيرًا، تصدر من الغاز الصخري، مع أنها جميعًا تبين تزايد الانبعاثات الناتجة عن الغاز الطبيعي بوجه عام. وفي العام المنصرم، رفعت وكالة حماية البيئة الأمريكية تقديراتها للانبعاثات الانفلاتية. وثمة دراسة أجراها بنك «دويتشه بنك» الألماني ومنظمة «وورلد ووتش إنِستيتيوت» البحثية التي يقع مقرها في العاصمة واشنطن، تظهر أن هذه المراجعة تزيد انبعاثات دورة الحياة من غازات الدفيئة للكهرباء المُولَّدة بالغاز، ولكن فحسب إلى مستوى يبلغ نصف مستوى الانبعاثات الناتجة عن الكهرباء المُولَّدة بالفحم.
ويمكن تقليل الانبعاثات الانفلاتية من آبار الغاز الصخري إلى حدٍّ كبير باستخدام أدوات لالتقاطها في موقع البئر، وقد اقترحت وكالة حماية البيئة الأمريكية قانونًا يشجع على ذلك. ويقول لورانس كاثليس — الذي يعمل أيضًا في جامعة كورنيل — في نقده لبحث هاوارث إن إجراءات تقليل الانبعاثات الانفلاتية متخذة بالفعل.
انبعـاثـات غيـر متـوقـعة
لكن ذلك لا يحدث في كل مكان؛ ففي أوائل فبراير ٢٠١٢، فوجئت مجموعة من العلماء الذين يراقبون جودة الهواء في شمال دنفر بولاية كولورادو باكتشاف مستويات عالية من الغاز الطبيعي، وتتبعوه حتى آبار غير تقليدية في منطقة حوض نهر دنفر-جولزبيرج القريبة. ويقدر الباحثون من الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة (والمعروفة اختصارًا ﺑ «إن أوه إيه إيه») وجامعة كولورادو بمدينة بولدر أن الآبار تسرب ٤ بالمائة من غازها في الهواء.وتقول جابرييل بترون، التي تعمل في الجامعة وفي الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة: «يوجد في الهواء ضعف كمية الغاز مقارنةً بما تتوقعه الولاية وصناعة الغاز.» وهي تعتقد أن اكتشافات الفريق — التي ستُنشر قريبًا في «جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرش» — تستكمل نتائج هاوارث، ولكنها تؤكد على الحاجة إلى مزيد من القياسات.
ومن جهة، لا يُعد المستوى المحدد من الانبعاثات الناتجة عن الآبار غير التقليدية ذا صلة، فحتى إذا اتضح أن الغاز الطبيعي «نظيف» كما هو معتقد عن الغاز التقليدي، فإنه لا يزال غير قادر على تحقيق خفض الانبعاثات الذي يشير إليه علماء المناخ من أجل تجنب التغير المناخي الخطير.
أحد الأسباب يتمثل في أن الحاجة العالمية للطاقة قوية للغاية لدرجة أن «استبدال» الغاز بالفحم لتوليد الكهرباء يبدو أمرًا خياليًّا الآن؛ ففي الولايات المتحدة والصين — أكبر دولتين مسببتين للتلوث في العالم — من المتوقع زيادة استهلاك الفحم والغاز خلال اﻟ ٢٥ سنة القادمة. وبذلك فإنه في أفضل الحالات، سوف تقلل زيادة إنتاج الغاز مستوى تزايد الانبعاثات الناجمة عن الفحم، ولكنها لن تقلل الانبعاثات على نحوٍ مطلق. ويقول كيفين أندرسون، أستاذ الطاقة وتغير المناخ في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة: «في عالمٍ يلح في طلبه للحصول على الطاقة، يعني استغلال مصدر جديد مثل الغاز الصخري أن الانبعاثات سوف تزيد، ولن تقل.»
حتى في الأماكن التي لا ينمو فيها استخدام الطاقة نموًّا حادًّا، حيث يبدو من المعقول استبدال الغاز بالفحم على نحوٍ تام، فإن هذه الاستراتيجية من المرجح ألا تحقق مستوى الانبعاثات المطلوب. فعلى سبيل المثال، لمنع تغير المناخ الخطير في الاتحاد الأوروبي، فإنه يحتاج إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة ٨٠ بالمائة من مستويات عام ١٩٩٠ بحلول عام ٢٠٥٠. ووفقًا للجنة المعنية بالتغييرات المناخية — التي تقدم الاستشارات لحكومة المملكة المتحدة — فهذا يعني الحاجة إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الكهرباء، من قرابة ٥٠٠ جرام لكل كيلوواط ساعي اليوم إلى ٥٠ جرامًا لكل كيلوواط ساعي بحلول عام ٢٠٣٠. وتُنتج أكثر مصانع الطاقة فاعلية زهاء ٤٤٠ جرامًا لكل كيلوواط ساعي؛ لذا ربما يقلل الغاز من الانبعاثات على المدى القريب، ولكنه سيجعل الأهداف التالية أكثر صعوبة.
ومن الواضح أن موقف الغاز الطبيعي كوقود انتقالي نحو مستقبل منخفض الكربون أضعف مما تريد منا صناعة الغاز أن نعتقده. إنه بالتأكيد ليس الدواء الشافي لكل مشكلاتنا مع انبعاثات غازات الدفيئة.
ويخلص البعض إلى أنه ليس حلًّا على الإطلاق؛ ففي نوفمبر الماضي، شارك أندرسون في تقرير قدمه «مركز تيندال لأبحاث تغيرات المناخ» حول إمكانيات الغاز الصخري بالنسبة للمملكة المتحدة. وخلص إلى أن «الغاز الصخري لا يقدم أي إمكانية ذات قيمة ولو كوقود انتقالي». ومن المرجح أن يُثبت استخدام الغاز الصخري الآن أنه «قرار اقتصادي غير حكيم أو [سوف] يهدد السمعة الدولية للمملكة المتحدة في مجال تغير المناخ». وجاء في التقرير أن الأفضل كثيرًا منه هو التوجه نحو الجائزة الكبرى والاستثمار في تكنولوجيات الطاقة المستخدمة للكربون شديد الانخفاض.
وبالطبع، لم يجعل أيٌّ من ذلك صناعةَ الغاز تتراجع عن حملتها؛ فبعد هبوط طائرة هيفنر النفاثة الخاصة في المملكة المتحدة، تحدث هيفنر سريعًا عبر الهاتف مع وحدة حفر الآبار التي كانت على وشك حفر خزان غاز جديد. وكم كانت قيمة الغاز الذي من المتوقع أن ينتجه الخزان؟ ٨ مليارات دولار.