قبل نشأة الإنسان كانت تغطي
الأرضَ تربةٌ خصبة في مناطق كثيرة، تكسوها الأعشاب والغابات والأشجار المثمرة، وكانت طبقاتها تحوي الفحم الحجري وحقول النفط والرواسب
المعدنية المختلفة. كما كانت الشمس ترسل أشعتها، تحمل معها الحياة. وكانت السحب
تتجمع في السماء، وتتناقلها الرياح هنا وهناك حيث تهطل أمطارها، ولكن لم تكن هناك
موارد اقتصادية مهمة. ولم تكن العوامل البيئية الطبيعية المختلفة المتوافرة آنئذٍ
مسخَّرة لخدمة الإنسان وتلبية حاجاته، فالفحم الحجري - مثلاً- لا يمكن أن يعدّ
مورداً اقتصادياً إلاّ عندما يبدأ الإنسان في استخراجه واستخدامه قوة محرّكة، ومن
ثم لا يمكن أن تُعد البيئة مصدراً للموارد إلا إذا دُرست في ضوء علاقتها بالإنسان،
وطرائق استثماره لعواملها المختلفة وتحويلها إلى موارد اقتصادية تتأثر بعاملين
رئيسين؛ أولهما عوامل البيئة الطبيعية غير الثابتة، وثانيهما الإنسان الذي تتغير
حاجاته وقدراته باستمرار.
تصنيفها
تدخل الموارد
الطبيعية natural resources في تكوين الأرض وتَشَكُّل غطائها النباتي، وترتبط
بالكائنات الحية التي تعيش على سطحها، وبحياة الإنسان من دون أن يتدخل في توافرها
عليه، فيستغلها في تحقيق مطالبه الأساسية من الغذاء والمأوى والملبس.
كانت الموارد
التي يستخدمها الإنسان في بداية حياته محدودة جداً، ولكن باطراد تقدمه الحضاري
وتطوره وتزايد مطالبه المادية كثرت هذه الموارد وتعقّدت، كما تنامت قيمتها
الاقتصادية. وبديهي أن من الصعب تحديد القيمة الاقتصادية لكل مورد من الموارد
الطبيعية، واختلافها من مكان إلى آخر، بحسب شروط كل منها؛ وعلى سبيل المثال، تختلف
الأهمية الاقتصادية لمياه المنطقة الصحراوية القاحلة عن مثيلتها في المنطقة
الاستوائية الغزيرة الأمطار، وكذلك مياه المناطق السهلية عن مياه سفوح المناطق
الجبلية الشديدة الانحدار، ومن ثم فإن القيمة الاقتصادية الفعلية للمورد الطبيعي
الواحد تختلف من مكان إلى آخر، وتختلف في المكان الواحد من زمن إلى آخر، كما أن
للمجتمعات المختلفة وعوامل أخرى تأثيرات مهمة فيها.
حاول شولتز Schultz تحديد القيمة الاقتصادية لبعض الموارد الطبيعية في
الولايات المتحدة الأمريكية وإيضاح العلاقة بين زيادة إنتاج هذه الموارد الطبيعية
والزيادة السكانية بمرور السنين، وانتهى إلى أن متوسط نصيب الفرد من هذه الموارد
(الأرض، التربة، المياه، النبات الطبيعي) ينخفض تدريجياً مع مرور الزمن، وهذا يرجع
إلى الزيادة السكانية من جهة، وتدهور البيئة الطبيعية وانخفاض إنتاجيتها من جهة
أخرى. ومن ثم يلجأ بعض الدول إلى فرض الحظر على بعض سلعها الاستراتيجية ومواردها
الطبيعية المعرضة للتدهور، فمثلاً تفضل الولايات المتحدة الأمريكية استيراد النفط
من الخارج لتلبية جزءٍ كبيرٍ من احتياجاتها، وتخزّن بعضاً من نفطها احتياطياً في
مكامن أرضية لتستخدمه عندما ينضب النفط أو يقل إنتاجه عالمياً.
وتجدر
الإشارة إلى أن هناك مناطق في العالم ذات موارد طبيعية عظمى، إلا أنها ليست مستغلة
في الوقت الحاضر، كما هي الحال في أجزاء واسعة من حوض الأمازون Amazon وشمالي كندا، ومثل هذه المناطق يمكن أن تستغل
مواردها الطبيعية استغلالاً اقتصادياً منظماً في المستقبل، وتكون لذلك فوائد
اقتصادية واجتماعية كبيرة، وعلى سبيل المثال، كانت سيبيريا معقلاً للمغضوب عليهم
أيام عهد روسيا القيصرية، ولكن بعد الثورة الشيوعية عام 1917، وباستغلال الإنسان
للموارد الطبيعية الهائلة، واكتشافه المعادن المتعددة فيها صارت تمثل مركزاً
اقتصادياً مهماً في الاتحاد السوڤييتي السابق.
اختلفت
الآراء بشأن تصنيف الموارد الطبيعية، فمنهم من يصنفها في أقسام حسب التوزيع
الجغرافي، ومنهم من يصنفها على أساس التكوين، أو على أساس العمر.
ـ التصنيف
حسب توزيعها الجغرافي:
ü
موارد طبيعية
واسعة الانتشار وتشمل الموارد التي يسهل على الإنسان الحصول عليها لوفرتها، مثل
عناصر الغلاف الجوي والأشعة الشمسية والتربة والمياه.
ü
موارد متوسطة
الانتشار الجغرافي، مثل الغابات الطبيعية التي تكاد تغطي ما يزيد على ثلث مساحة
اليابس من الكرة الأرضية، ولكن تختلف أهميتها من إقليم إلى آخر، ففي النروج أو
السويد تفوق في أهميتها غابات تشيلي، ويرتبط بها البناء الاقتصادي والاجتماعي
للمجتمعين النروجي والسويدي. كما تنتشر مصائد الأسماك على طول السواحل وفي مياه
الأنهار في معظم أنحاء العالم، لكن أهميتها الاقتصادية تقتصر على مناطق محددة.
كذلك حال الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، إذْ تختلف أهميتها حسب مكانها ودرجة
استغلالها، وجودتها وشروطها الطبيعية، فأهمية الأرض الزراعية كبيرة في بلد مثل
كندا التي قدر عدد سكانها عام 2006 بـ 33 مليون نسمة تقريباً، في حين أن مساحتها
الإجمالية تبلغ ما يقرب من 10ملايين كم2.
ü
موارد محدودة
الانتشار، ويتركز وجودها في مناطق محدودة جداً على سطح الأرض، مثل النفط الذي
يتركز معظم إنتاجه في الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط وروسيا والحوض
الكاريبي، ومعدن النيكل الذي يكاد يتركز إنتاجه في ولاية أونتاريو الكندية،
والقصدير في جنوب شرقي آسيا، والبوتاس في ألمانيا، والألماس في مناطق من القارة
الإفريقية.
ـ تصنيفها
حسب قدرتها على التجدد والاستمرار:
ü
موارد متجددة
renewable
resources: تجدد
ذاتها تلقائياً، مثل عناصر الغلاف الجوي، وأخرى يتدخل الإنسان في عمليات إعادة
تجديدها وتنظيم استغلالها مثل المياه العذبة والتربة واستثمار الغابات بطريقة
سليمة وعلمية، فلا تستثمر إلا الأشجار التي تكون في سن القطع، على أساس نظام إحلال
شجيرات جديدة محل المقطوعة، ويعمل الإنسان على المحافظة على الغابات من الحرائق وفتك الحشرات والأمراض المختلفة مما يساعد على تجددها الطبيعي.
ü
موارد غير
متجددة non-
renewable resources: وسبب ذلك سوء استغلال الإنسان لها، مثل أعمال الرعي غير المنظّم
الذي يؤدي إلى تدهور المراعي، والصيد البحري غير
المنظّم الذي ينجم عنه اضمحلال مناطق الصيد، والزراعة البدائية التي تؤدي إلى ضعف
التربة، وكذلك استخراج الفحم والحديد والنفط والغاز والفحم الحجري والأملاح
والمعادن الأخرى، وغيرها، وكل هذه الموارد لابد أن ينضب معينها في وقت من الأوقات،
ولن تتجدد مرة أخرى إذا ما تم نفادها، وقد تؤدي عمليات التقدم التقني إلى زيادة
انتشار مثل هذه الخامات التعدينية إذا أحسن استغلالها.
ü
موارد غير
قابلة للنفاد inexhaustible
resources مثل
الهواء والبحار والرمال والغضار والأحجار وغيرها.
ـ تصنيفها
حسب تكوينها:
ü
موارد عضوية organic
resources: وتشمل
موارد الغابات والمراعي والحيوانات
بأنواعها المختلفة والموارد السمكية والفحم والنفط، والأخيران من مصادر القوة
المحركة ذات الأصل العضوي.
ü
موارد غير
عضوية resources
inorganic: مثل
الماء والخامات المعدنية وأحجار البناء، والمواد الكيمياوية التي تتوافر في الجو
مثل الآزوت أو في الأرض مثل الأملاح المعدنية المختلفة.
يمكن إدراج
بعض عناصر البيئة الطبيعية في عداد الموارد الطبيعية لأي إقليم من أقاليم الكرة
الأرضية، مثل الموقع الفلكي، أي موقعه بالنسبة لخطوط الطول والعرض، ويؤثر ذلك في
تحديد نوع المناخ والحياة النباتية والحيوانية. وكذلك الموقع الطبيعي للإقليم،
ومدى التوزيع اليابس والماء أو التضاريس عليه وغيرها، إذ يحدد هذا الموقع النشاط
الاقتصادي لدرجة كبيرة، وهذا ما جعل هولندا، مثلاً، بموقعها البحري وبمصائدها
الساحلية، وبوقوعها على مصب نهر الراين من أقدم الدول البحرية التي جابت المحيطات
وارتادتها. وكذلك الموقع الطبيعي للنرويج، بامتدادها على طول الساحل الغربي لشبه
جزيرة اسكندينافيا، وتوافر «الفيوردات» المتعمقة في الداخل، وبفقر بيئتها الداخلية
وهدوء مياهها الساحلية، وتوافر الثروة الغابية، كل هذه العوامل دفعت النرويجيين
إلى الاتجاه نحو البحر وركوبه، وصار أسطولها التجاري في المقام الثالث بعد
الأساطيل التجارية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وذلك من
حيث الحمولة والأهمية، فكأن الموقع الطبيعي يعدّ على نحو غير مباشر مورداً طبيعياً
يدفع السكان إلى مزاولة نشاط معين.
وكذلك فإن
موقع الوطن العربي بين القارات الثلاث جعل منه حلقة وصل تاريخية مهمة في الاتصال
بين الشرق والغرب، وقد تزايدت أهمية هذا الموقع بعد شق قناة السويس، ويعد تأميم
قناة السويس وما ترتب عليه من زيادة دخل البلاد استغلالاً مفيداً للموقع الجغرافي
لمصر يعود عليها بالخير.
وثمة
أمثلة عديدة أخرى عن أهمية الموقع الطبيعي ومن أهمها:
موقع عدن
بالقرب من باب المندب، الذي يمثل البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، بما له من أهمية
استراتيجية في منطقة البحر الأحمر، وموقع قناة بنما التي تصل بين المحيطين الأطلسي
والهادئ، وموقع سنغافورة على الطريق التجاري الملاحي المهم بين أوربا وشرقي آسيا.
وموقع مضيق البوسفور الذي يمثل العُنق الذي يصل بين البحرين الأسود وإيجة.
فهذه المواقع
البحرية تمثل صلات وصل اقتصادية وحضارية بين بلدان العالم، وتسهل انسياب السلع
التجارية، ومن ثم تؤثر في تكلفة النقل وأثمان السلع إلى حين وصولها إلى مناطق
الاستهلاك، وهذا إلى جانب أهميتها السياسية. وقد تضطر بعض الدول إلى الاشتراك في
الحروب من أجل الاحتفاظ بهذه المواقع الحيوية.
ـ تصنيفها
حسب المساحة: تعدّ مساحة الإقليم أو الدولة مورداً من مواردها
الطبيعية، فكلما كبرت مساحة الأرض المنتجة في دولة من الدول ازدادت مواردها.
وينسحب هذا القول على الدولتين العملاقتين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة
الأمريكية، إذ ترجع أسباب تفوقهما الاقتصادي إلى اتساع مساحتيهما، وضخامة مواردهما
الطبيعية وتنوعها، وعوامل علمية وبشرية واجتماعية كثيرة.
ولكن كبر
المساحة وما يرتبط به من وفرة في الموارد الطبيعية لا يمكن أن يعد وحده العامل
الفيصل في التقدم الاقتصادي، إذ إن هنالك عوامل أخرى يجب أن تتوافر كلها لكي يمكن
الإفادة من اتساع المساحة بوصفها مورداً اقتصادياً غير مباشر.
وإضافة إلى
الموقع والمساحة، هناك موارد طبيعية أخرى غير مباشرة، يذكر منها الأشكال التضريسية
العامة من سهول وهضاب وجبال، والتي يمكن أن تعد عوامل بيئية طبيعية مهمة، تؤثر في
تنوع العوامل المناخية والغطاءات النباتية، والمجموعات الحيوانية. ويتوقف على كل
هذه الإمكانات الطبيعية مدى تنوع النشاط البشري لسكان الإقليم أو الدولة.
صيانة
الموارد الطبيعية وتنميتها
يرتكز
مفهوم صيانة الموارد على دراسة عناصر البيئة الطبيعية وتحليلها وتركيبها ووظائفها
من أجل استخدامها الأمثل وفق ضوابط ومعايير معينة، بما يحقق بقاءها مصدر عطاء
دائم، ومن ثم يقلل أعمال استنزافها.
وتبرز اليوم
أهمية صيانة الموارد من ندرتها واستنزاف كثير منها، وزيادة الطلب العالمي عليها؛
ولهذا فإنه من الضروري تبنيّ استراتيجية واضحة المعالم لصيانتها وحمايتها من
الاستنزاف. ويسهم العاملان الآتيان على نحو رئيسي في تحقيق الاستراتيجية المقترحة:
- تحقيق
توازن بين النمو السكاني من جهة، والنمو الاقتصادي وما يتطلبه من زيادة الطلب على
الموارد البيئية المختلفة من جهة أخرى. والهدف من ذلك هو إيجاد التوازن بين
الموارد الاقتصادية المتوافرة في البيئة وبين عدد السكان، فزيادة عدد السكان تؤدي
إلى استنزاف الموارد الاقتصادية، وينجم عنها العجز في الاقتصاد، ومن ذلك فإن
البيئة المستدامة تتطلب ضبط النظامين الاقتصادي والاجتماعي وفق منظومة متناسقة لا
يطغى أحدها على الآخر.
- توفير
مستلزمات السكان المتزايدة، من دون الإضرار بالموارد البيئية ومنظوماتها، ويساعد
ذلك على تحديد حجم الموارد الطبيعية المطلوبة لعملية التنمية المستدامة، ودراسة
تأثيراتها المختلفة في المنظومة البيئية، وتقدير الحاجات المستقبلية من الموارد
الطبيعية وفق جدول زمني معين. ويسبق كلَّ هذه الخطوات تحديدٌ دقيق وشامل لحجم
المورد الطبيعي وطبيعته، وعدد سنوات استغلاله من دون إحداث خلل في المنظومة
البيئية. وحسب طبيعة هذا المورد المتجدد أو غير المتجدد.
وبما أن
الموارد الطبيعية المتوافرة في الكون - من تربة ومعادن وغابات وبحار وغيرها- هي
أساس كل نشاط زراعي أو صناعي، فلا بد من المحافظة عليها لتحقيق التقدمين الاقتصادي
والاجتماعي المنشودين. وإذا ما استنزفت الموارد البيئية الطبيعية وتدهورت فإن
أعباء ذلك سوف تكون خطيرة على الإنسان والبيئة والاقتصاد على حد سواء. ويمكنها أن
تتضمن اختفاء الغابات واستنزاف الموارد
الطبيعية غير المتجددة وتعرية التربة وتحميضها
وانخفاض قدرتها الإنتاجية وانتشار الصحاري وتلوث البيئة وغيرها.
وتجدر
الإشارة إلى أن التنمية المستدامة تهدف إلى تلبية حاجات الحاضر ومتطلباته من دون
الإخلال بالقدرة على تلبية حاجات المستقبل ومتطلباته، وخصوصاً مع تلك الزيادة
السكانية الهائلة، التي سوف تضغط على قاعدة الموارد الطبيعية للحصول على الغذاء والمسكن والوقود، إضافة إلى أن معظم القرارات الاقتصادية والمادية توضع من
دون أي حسبان للبيئة وعناصرها المختلفة.
ويتطلب تطبيق
التنمية المستدامة أخذ المقتضيات البيئية والاقتصادية في الحسبان، كما لابد من أن
يشمل التخطيط لها التمويل ودراسة ملاءمة التقانات المعتمدة للبيئة وتقييم مخاطرها،
والوقاية من التلوث.
صفوح خير
المراجع
ـ محمد صفي الدين ومحمد صبحي
عبد الحكيم، موارد الثروة الاقتصادية (القاهرة 1963).
ـ حسن سيد أحمد أبو العينين،
الموارد الاقتصادية (الدار الجامعية، بيروت 1979).
-
E.W.ZIMMERMAN,World Resources and Industry (New York 1972).