الأحد، 17 نوفمبر 2013

الاقتصاد الافتراضي يلوح في الأفق مع نمو النقد الرقمي

تشهد عملة البيتكوين نموًّا سريعًا يجعلنا نتوقع أن تتعامل معها الشركات والمشروعات بجدية في القريب العاجل، ونتيجة لذلك من الممكن أن تخضع هذه العملة الواعدة لرقابة المصارف.
احتفظ بعملات بيتكوين المملوكة لك في مكان آمن.     
 إذا انخفض سعر الذهب إلى النصف بين عشية وضحاها وفي الوقت نفسه ارتفعت تكلفة معدات التنقيب ارتفاعًا بالغًا، فستضرب الفوضى أطنابها في الاقتصاد العالمي. هذا السيناريو على وشك الحدوث لعملة بيتكوين الإلكترونية التي تعتمد على تكنولوجيا الربط بين حاسوب شخص وآخر، لكن بدلًا من تدمير مخزون النقود الرقمية، يمكن أن يكون هذا السيناريو هو ما تحتاج إليه عملة بيتكوين كي تُؤخذ على محمل الجد.
تسير عملات بيتكوين بخطى حثيثة نحو النضج. فقد أعلن موقع استضافة المدونات ووردبرس دوت كوم أنه يقبل الآن التعامل بعملة بيتكوين، مضيفًا موضوعات المدونات إلى قائمة الأشياء التي يمكنك استخدام العملة لشرائها عبر الإنترنت، والتي تشتمل بالفعل على قمصان ومجوهرات وعقاقير محظورة قانونًا.
ليس هناك بنك أو سلطة مركزية مسئولة عن عملات بيتكوين، وإنما يُشكل المستخدمون الذين يُشغِّلون تطبيق بيتكوين شبكة لا مركزية تتولى إنجاز المعاملات. في الوقت نفسه، تحاول أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم أن تكون الأولى في حساب نتائج مسألة عسيرة تزداد صعوبتها بانتظام كي تحظى بمبلغ صغير من عملات بيتكوين كجائزة (انظر «كيف تنقب عن عملة بيتكوين؟»). ويمكن بعد ذلك إنفاق هذا المبلغ أو تحويله إلى نقود. ويطلق على هذه العملية «التنقيب»؛ لأنها أشبه بالتنقيب عن الذهب.
وقد حدد المخترع الغامض لهذه العملة الذي يتخذ لنفسه الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو، قيمة مبدئية لجائزة التنقيب مقدارها ٥٠ بيتكوينًا، ولكن لمنع التضخم تقرر تقليص قيمة هذه الجائزة إلى النصف كل أربع سنوات إلى أن يثبت العدد النهائي لعملات البيتكوين عند ٢١ مليونًا فقط؛ أي ضعف عدد العملات المتداولة الآن. ومن المستحيل التكهن بدقة بموعد «الانتصاف» هذا؛ إذ إنه يعتمد على القوة الحاسوبية لشبكة البيتكوين، بالرغم من أنه يُعتقد أن أول موعد لذلك سيكون في التاسع والعشرين من نوفمبر.
ما من أحد يعرف على وجه التحديد أثر انتصاف قيمة الجائزة، لكن مع وصول قيمة عملة البيتكوين الواحدة إلى ١١ دولارًا في الوقت الحالي، يبدو أن المستخدمين سيتعرضون لخسائر كبيرة في أرباحهم إلا إذا انضبط سعر الصرف.
يقول جافين أندرسن، كبير مطوري برنامج بيتكوين الإلكتروني: «إن رؤية ما يحدث لسعر عملة البيتكوين سوف يكون أمرًا مثيرًا للاهتمام. الكل يعرف متى سيحدث التغيير، ومن ثم، بفرض أن الجميع منطقيون تمامًا، تخبرك النماذج الاقتصادية أن شيئًا لن يحدث؛ لأن الجميع قد توقعوا هذا التغيير بالفعل.»
ومع ذلك، ثمة تغيير جذري آخر على وشك الظهور يزيد الأمور تعقيدًا. فحساب خوارزمية البيتكوين أشبه بدخول اليانصيب، وكلما زادت قوة جهاز الكمبيوتر الخاص بك، زاد عدد التذاكر التي تحصل عليها. وقد استخدم أول من تبنوا فكرة عملة البيتكوين وحدات معالجة مركزية لأجهزة الكمبيوتر المكتبية العادية، إلا أن فترة متنصف عام ٢٠١٠ شهدت تحولًا إلى استخدام وحدات معالجة رسومية أكثر قوة. وقد صُممت خوارزمية البيتكوين بحيث تتكيف مع تغيرات قوة الحوسبة في شبكة البيتكوين من خلال تعديل درجة صعوبتها كل أسبوعين، وهو ما يوازي تغيير فرص الفوز باليانصيب، وهو ما يجعل العملة دائمًا شبه مستقرة.
لكن سرعان ما ستتفوق الدوائر المتكاملة متخصصة التطبيق على وحدات المعالجة الرسومية هذه. فكما يوحي اسمها، هذه الدوائر مصممة لهدف واحد فحسب، ألا وهو حساب خوارزمية التنقيب عن عملات البيتكوين. يقول جوش زيرلان، من شركة باترفلاي لابز في كانساس سيتي بولاية ميزوري، وهي واحدة من الشركات الواعدة في مجال إنتاج الدوائر المتكاملة متخصصة التطبيق قبل نهاية العام: «إنها ذروة التطوير في التنقيب عن عملات البيتكوين.»
مما يشغل بال الكثيرين أن الإمداد المحدود للدوائر المتكاملة متخصصة التطبيق سيسمح لجماعة بعينها بالسيطرة على شبكة البيتكوين. لكن قد يكون الأثر الحقيقي لهذه الدوائر المتكاملة متخصصة التطبيق وانتصاف قيمة الجائزة هو إثناء هؤلاء الذين يُشغلون تطبيق البيتكوين على أجهزة كمبيوتر مُجمعة بأثمان زهيدة؛ مما يعطي هذه العملة مظهرًا أكثر احترافية، ومن ثم تكون أكثر جذبًا لقطاع الأعمال. يقول زيرلان: «الكثير من الأشخاص ينظرون إلى عملة البيتكوين باعتبارها خطة لتحقيق ثراء سريع. وأعتقد أن التنقيب على وشك أن يصبح نشاطًا احترافيًّا.»
إذا ما حدث ذلك، فإن الكثير من الأشخاص الذين اشتروا وحدات معالجة رسومية رخيصة الثمن للمشاركة في موجة التهافت على اكتناز العملة سوف يبدءون في البحث عن طريقة أخرى لجمع المال. ترغب كوين لاب — وهي شركة ناشئة يقع مقرها في سياتل — في استغلال هذا الأمر، وخطتها هي استغلال وحدات المعالجة الرسومية غير المستخدمة من خلال دفع المال لأصحابها — بعملة البيتكوين أو بأي عملة أخرى — مقابل قوة حوسبة هذه الوحدات، ثم بيعها لهؤلاء الذين يرغبون في الوصول إلى معالجة للعمليات الحسابية الضخمة بثمن رخيص. يوضح بيتر فيسينس — الرئيس التنفيذي لكوين لاب والمدير التنفيذي لمؤسسة بيتكوين — قائلًا: «إننا نقدم للعالم شيئًا مفيدًا للتعامل مع كل هذا الكم من وحدات المعالجة الرسومية.»
يقول أندرسن: «حقيقة أن شركات مثل باترفلاي لابز وكوين لاب ترغب في جمع المال من وراء خدمة بيتكوين تشير إلى أن بيتكوين أصبحت أكثر استقرارًا وموثوقية. فالبنية التحتية المحيطة في طريقها للنضج، وإنني أرى عددًا أكبر من المشروعات الممولة جيدًا مقارنة بعدد المؤسسات غير الجديرة بالثقة التي ربما ينبغي ألا تشارك في عالم المعاملات المالية.»
حتى البنك المركزي الأوروبي بدأ في الاهتمام بالأمر؛ إذ نشر الشهر الماضي تقريرًا عن العملات الافتراضية. يشير التقرير إلى أن هذه العملات سيكون لها تأثير ضئيل على الاستقرار المالي في واقعنا الحالي، لكن حال زيادة شعبية عملة البيتكوين ومثيلاتها، فقد يضطر البنك المركزي إلى البدء في إخضاعها لرقابته.
من المرجح ألا يكون لهذا الأمر مردود جيد لدى مؤيدي عملة البيتكوين من الليبرتاريين، لكنه قد يساعد على زيادة استخدام هذه العملة، حسبما تقول إيلي أندرولاكي، الباحثة في نظم الأمن بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ. تضيف أندرولاكي قائلة: «لكي تكون البيتكوين عملة ذات قيمة، ستضطر البنوك إلى التدخل.» إن انتشار استخدام عملة البيتكوين يمكن أن يهدد سمة أخرى من سماتها وهي عدم الكشف عن هوية مستخدمها. فمع أن سجلات المعاملات بالبيتكوين متاحة للعامة، فليس هناك شيء يربط عنوان بيتكوين، الذي تُخزن فيه العملات، بشخص معين. حين أجرى فريق أندرولاكي محاكاة لعملية استخدام عملة بيتكوين في ظروف واقعية، اكتشفوا أن توقيتات وكميات المشتريات المعتادة — فنجان من القهوة كل صباح، على سبيل المثال — يمكن أن تستخدم لربط العناوين في ٤٠٪ من الحالات، ومن ثم الكشف عن المبلغ الإجمالي من عملات البيتكوين التي بحوزة المستخدم. وهذا لا يكشف عن هوية المستخدم مباشرةً، لكن إذا رُبِط عنوان بشخص ما في ظروف علنية، فإن باقي العناوين يمكن أن تُربَط كذلك بالأشخاص الآخرين الذين يتعامل معهم.
من الواضح أن عملة البيتكوين لا يزال أمامها شوط طويل ينبغي أن تقطعه قبل أن تدنو من مرتبة العملات السائدة الآن، لكن أداءها جيد على اعتبار أنها لا تزال عملة جديدة. يقول أندرسن: «إنني ما زلت أخبر الناس بأن البيتكوين ليست سوى تجربة، فلا يجب أن يستثمروا أوقاتهم أو أموالهم في شيء لا يمكنهم تحمل خسارته. أتمنى أن يصبح بمقدوري التوقف عن إخبار الناس بذلك بعد عام من الآن.»

كيف تصبح منقبًا عن عملات البيتكوين؟

تُختَزن عملات البيتكوين التي تمثل العملة الافتراضية تحت تسلسل هجائي عددي يسمى العنوان. ولإتمام عملية شراء، يُحوِّل المستخدمون العملات من عنوان إلى آخر، ثم تُبَث تفاصيل هذه المعاملة والمعاملات الأخرى على شبكة البيتكوين لتُضَم إلى السجل العام، وهو ما يجعل المعاملة رسمية.
أما مجموعات المعاملات الجديدة، ويطلق عليها سجلات المعاملات الجديدة، فتُضاف إلى السجل العام حين يُجري حاسب المستخدم عمليات حسابية ضرورية لحل مسألة معقدة تزداد سهولتها أو صعوبتها بحسب القوة الحاسوبية للشبكة. وهذه المسائل مصممة بحيث تُنتَج سجلات معاملات جديدة كل ١٠ دقائق تقريبًا.
والشخص الذي يحل جهاز الكمبيوتر الخاص به المسألة يتسلم جائزة، تُقدر حاليًّا ﺑ ٥٠ بيتكوينًا؛ مما يضخُّ أموالًا جديدة في العملة، التي بإمكان المستخدمين إنفاقها وبدء الدورة من جديد.
======
عثـمان ادشـيـشي