السبت، 16 نوفمبر 2013

كيف يتسبب الاحتباس الحراري العالمي في جموح الطقس؟

كثيرًا ما تشهد قرية بيلستون — التي يُطلق عليها ثلاجة البلاد — في ولاية ميشيجان فصول شتاء قارسة البرودة حيث بلغت درجة الحرارة فيها ٤٧ درجة مئوية تحت الصفر عام ١٩٣٣. وعادةً ما يكون طقس القرية شديد البرودة حتى في أواخر مارس. لكن الأمر مختلف هذا العام. ففي الثاني والعشرين من مارس، سجّلت محطة الأرصاد الجوية في بيلستون درجة حرارة أعلى من ٢٩ درجة مئوية، وهو ما يفوق أعلى درجة حرارة سبق تسجيلها في مثل هذا الوقت من العام بأكثر من ١٧ درجة.
لم يكن ذلك سوى واحد من آلاف الأرقام القياسية التي تحطمت في «صيف مارس»؛ ذلك الحدث الذي استمر عشرة أيام وأثر في أغلب أنحاء أمريكا الشمالية. استمتع العديد من الناس بذلك الدفء اللاموسمي، لكن أغلب أحداث الطقس الاستثنائية التي شهدها العقد الماضي لم تلق ذلك الترحيب قط. في عام ٢٠٠٣، أدى ارتفاع درجة حرارة الصيف في أوروبا إلى وفاة عشرات الآلاف. وعانت روسيا عام ٢٠١٠ طقسًا أشد حرارةً. وأدت العواصف المطيرة إلى حدوث فيضانات غير مسبوقة في باكستان عام ٢٠١٠، وتكرر الأمر عام ٢٠١١. أيضًا كان إعصار «جونو» الحلزوني الاستوائي عام ٢٠٠٧ أقوى الأعاصير التي سُجلت على الإطلاق في بحر العرب.
لطالما حذَّر علماء المناخ من أن الاحتباس الحراري العالمي سيسفر عن موجات حر شديد، وجفاف، وفيضانات. لكن بعض الظواهر المناخية المتطرفة الحديثة — كالصيف الذي حل في مارس — تفوق كثيرًا توقعات نماذج المناخ التي نضعها. هذه الظواهر المتطرفة تشمل البرد والحر على السواء. في روما، تنهار الآثار القديمة بفعل موجة الصقيع الشديد التي ضربت أوروبا في فبراير من العام الحالي. وعند الحدود الشمالية للصحراء الكبرى، غطت الثلوج شوارع العاصمة الليبية طرابلس.
يبدو أن الطقس يزداد جموحًا؛ فقد أصبح أكثر تقلبًا وأيضًا تزداد حرارته باستمرار. والسؤال الجوهري هنا: لماذا؟ هل هذا مجرد اضطراب عارض، أم أننا بصدد مواجهة طقس أكثر شذوذًا بالتزامن مع تسارع معدلات الاحتباس الحراري العالمي على مدار العقود القادمة؟
حتى في ظل المناخ الثابت، تتباين أحوال الطقس بدرجات كبيرة. فكل صيف سيكون مختلفًا عن سابقه. إذا قِست متوسط درجة الحرارة صيفًا كل عام، فستحصل على سلسلة من الأرقام المبعثرة حول متوسط طويل المدى، والموزعة في نمط يشبه إلى حد ما المنحنى الجرسي. انتظر وقتًا كافيًا، وسوف تتصبب عرقًا أثناء بضعة أصياف لافحة الحرارة وتتجمد بردًا أثناء بضعة أصياف قارسة البرودة.
على مدار القرن الماضي، زادت درجة حرارة سطح كوكب الأرض بمتوسط ٠٫٨ درجة مئوية، مما جعل نطاق الطقس المعتاد أكثر دفئًا. أصبحت فصول الصيف المعتدلة أقل رجحانًا وفصول الصيف الأشد حرارةً أكثر رجحانًا. وعلى عكس ما قد تتوقعه، يزيد هذا النوع من التغيرات احتمالات حلول أصياف لافحة الحرارة أكثر مما يزيد احتمالات حلول أصياف أكثر دفئًا.
يؤدي ارتفاع درجة الحرارة كذلك إلى وقوع أنواع أخرى من حالات الطقس المتطرفة. فكلما زاد دفء الهواء، زادت نسبة الرطوبة فيه، بل إن قدرته على حمل الرطوبة تتضاعف أسيًّا مع ارتفاع درجات الحرارة. يعني هذا سقوط الأمطار بغزارة مما يزيد احتمال وقوع فيضانات كارثية (مجلة نيو ساينتيست، ١٩ مارس ٢٠١١، صفحة ٤٤).
  • هطـول الأمطـار الأكثـر رطـوبة

الفيضانات ليست النتيجة الوحيدة. فعندما يتكثف بخار الماء مكونًا السحب، تنبعث الحرارة الكامنة التي تزيد من قوة أغلب العواصف بدءًا من العواصف الرعدية حتى الأعاصير. ومع زيادة رطوبة الجو، لا تحدث بالضرورة المزيد من العواصف، ولكن ما يحدث منها بالفعل يكون أقوى بفعل الحرارة الزائدة. ويتزايد الدمار الذي تخلِّفه العواصف بسرعة مع زيادة سرعة الرياح.
تدلنا النظريات الفيزيائية البسيطة على أن الاحتباس الحراري العالمي سيجعل الطقس المتطرف أكثر تطرفًا، من العواصف العاتية إلى موجات الحر الأشد حرارةً، وموجات الجفاف الأشد جفافًا، وهطول الأمطار الأشد رطوبة. والواقع أن هذا الأمر كان يحدث في جميع أنحاء العالم، إلا أن حجم بعض الأرقام القياسية في السنوات الأخيرة مذهل حقًّا.
في عام ٢٠٠٣، ارتفعت درجات الحرارة في أوروبا عن معدلاتها في أي صيف شهدته منذ ٥٠٠ عام على الأقل. يوضح ستيفان رامستورف بمعهد بوتسدام في ألمانيا أن متوسط درجة حرارة الصيف في سويسرا قد حطم الرقم القياسي السابق بمقدار ٢٫٤ درجة مئوية. من الطبيعي أن تتحطم الأرقام القياسية في أيام معينة بفارق كبير؛ لكن الاستثناء أن يرتفع متوسط درجة الحرارة في فصل بأكمله أكثر بكثير من المعتاد. بعدها جاءت موجة الحر الروسية عام ٢٠١٠. وحتى بعد حساب متوسط درجة حرارة هذه الموجة في أوروبا بأسرها، وُجد أنها كانت أعنف من موجة عام ٢٠٠٣.
وحديثًا جدًّا، حلَّ فصل الصيف في مارس. ولأنه حلَّ في وقت مبكر جدًّا من العام، كانت تلك كارثة أصابت مزارعي الفواكه؛ إذ أزهرت الأشجار قبل أوانها ثم ضربها الصقيع ليدمر أكثر من ٩٠ بالمائة من المحاصيل في بعض المناطق، لكن الأمور كان من الممكن أن تسوء أكثر من هذا. يقول ديم كومو زميل رامستورف: «لو حدثت مثل هذه الظروف المناخية الشاذة في يوليو أو أغسطس، لكان أثرها هائلًا.»
تزداد أعداد الأشخاص الذين يتأثرون بشتى حالات الطقس المتطرف. ففي استطلاع رأي أُجري حديثًا في الولايات المتحدة، ذكر ٨٢ بالمائة من الأشخاص أنهم عايشوا شخصيًّا طقسًا متطرفًا أو كارثة طبيعية أثناء العام الماضي، وذكر ٣٥ بالمائة أن واحدًا أو أكثر من هذه الأحداث قد ألحق بهم ضررًا شخصيًّا إما بالغًا أو طفيفًا.
ثمة شكوك في أن هذه الأوضاع ستزداد سوءًا. لكن أكثر ما يثير القلق أن الزيادة في الظواهر المتطرفة لا يمكن أن يكون سببها الوحيد الاحتباس الحراري البالغ ٠٫٨ درجة مئوية حتى الآن. فلم يكن من المتوقع حدوث ظواهر كموجتي الحر عامي ٢٠٠٣ و٢٠١٠ إلا بعد زيادة الاحتباس الحراري إلى مستوى أكبر؛ أي قرب نهاية هذا القرن. وفي حين يمكن اعتبار حدث غريب أو حدثين مجرد سوء حظ، شهد العقد الماضي وقوع الكثير من هذه الأحداث بدرجة تثير الريبة.
حلَّل جيمس هانسن — من معهد جودارد لدراسات الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا —القراءات المسجلة لدرجات الحرارة المحلية في أنحاء العالم؛ في كل حالة كان يجمع أشهر يونيو ويوليو وأغسطس ليحصل على إجمالي درجة الحرارة في هذه الفترة. تشير النتائج إلى أن مساحة متزايدة من سطح الكوكب تشهد ارتفاعات استثنائية في درجات الحرارة كل عام، مقارنةً بالفترة بين عامي ١٩٥١ و١٩٨٠.
هذا هو المتوقع في عالم يعاني احتباسًا حراريًّا. غير أن تحليلات هانسن توضح أن الأمر يتعدى ذلك. فالطقس لا يزداد دفئًا فحسب، ولكنه يزداد تفاوتًا أيضًا. ففي الفترة بين عامي ١٩٥١ و١٩٨٠، كان النطاق المتوسط للتفاوت في درجات الحرارة المحلية في أنحاء الكرة الأرضية صيفًا ٠٫٥٥ درجة مئوية، ومنذ عام ١٩٨١ حتى ٢٠١٠، ارتفع إلى ٠٫٥٨ درجة مئوية. وهذا التفاوت أكبر وزيادته أسرع على اليابسة. وتشهد بعض المناطق — خاصةً تلك البعيدة عن تأثير المحيط في تثبيت المناخ — تنوعًا وزيادة أكبر. أسقط ذلك على المستقبل، وسوف يصبح لدينا مبرر للشعور بقلق يفوق قلقنا من مجرد الارتفاع في متوسط درجة الحرارة.
  • جحـيمٌ لا يُحـتمَـل

لكن حتى في ظل هذا المناخ الذي يزداد جموحًا بدرجة طفيفة، تظل موجات الحر العنيفة التي شهدها العقد الماضي جحيمًا لا يُحتمَل. أهناك سبب آخر يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة على هذا النحو؟
يرى بيير لويجي فيدال، مصمم النماذج المناخية بجامعة ريدينج في المملكة المتحدة، أن هذا احتمال قوي. فهو يعتقد أن النباتات والتربة بأنواعها قد تفسر بعض موجات الحر غير المسبوقة. في المناطق المكسوة بالنباتات، تمتص النباتات قدرًا كبيرًا من حرارة الشمس، لكنها تبقى باردة وتحافظ على برودة الأرض عن طريق امتصاص المياه والسماح بتبخرها من الأوراق. لكن عندما تجف التربة، تغلق النباتات مسامها وتتوقف عن الارتشاح. يقول فيدال: «كأنك توقفت عن شرب الماء وتوقف جسمك عن إفراز العرق.» عندما لا يُتخلَّص من حرارة الشمس في تبخر الماء، فإنها تتجه بالكامل إلى اليابسة والهواء الذي يعلوها، وتكون النتيجة ارتفاعًا كبيرًا في درجة الحرارة.
يحدث هذا منذ وُجدت النباتات على سطح الأرض، ولكنه أصبح أكثر انتشارًا وامتد تأثيره إلى مساحات أوسع لأن أمطار الشتاء أصبحت أقل انتظامًا وأكثر تذبذبًا حتى إنه يستعصي عليها أحيانًا إشباع التربة جيدًا بالمياه. وفي الوقت نفسه، امتد موسم الزراعة وزاد دفئًا، فأصبحت النباتات تمتص المزيد من المياه.
في عام ٢٠٠٤، عندما كان فيدال أحد أعضاء فريق يرأسه كريستوف كار في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا بمدينة زيوريخ، درس هذه العملية في نموذج مناخي إقليمي. يقول فيدال إنه مع أن النماذج السابقة كانت تشمل تربات في طريقها إلى الجفاف، كان التمثيل بسيطًا للغاية، إذ كانت النباتات توقف عملية الارتشاح فجأة. وباستخدام النموذج المطوَّر، كانت بعض نماذج المحاكاة تشبه صيف عام ٢٠٠٣، ومنذ ذلك الحين أثمرت نماذج أخرى عن نتائج مماثلة. جميع تلك النماذج يشير إلى أنه فوق الأراضي التي تجف بها التربة، لا تتبع درجات حرارة الصيف منحنى جرسيًّا دقيقًا، بل يحدث المزيد من موجات الحر الشديد.
لكن لا يزال الغموض يكتنف الأمر. جزء من المشكلة هو وضع نموذج دقيق يحاكي دور النباتات والتربة، حتى التفاصيل الدقيقة مثل فصائل النبات لها أهمية كبيرة، لأن النباتات ذات الجذور الأعمق تواصل الارتشاح فترة أطول من النباتات ذات الجذور الضحلة. يقول روبير فوتار بجامعة فيرساي في فرنسا إن: «النماذج الفيزيائية الحيوية لم تتسم بالدقة الكافية بعد.»
قد يعمل قياس محتوى التربات من الرطوبة الفعلية على تحسين الأوضاع، ولكن ذلك ليس يسيرًا. يقول فيدال: «يمكنك القياس هنا، لكن إذا ابتعدت بضعة أمتار، فلن يكون الأمر ممكنًا. لا نمتلك في أوروبا سوى بضع محطات قليلة لمراقبة رطوبة التربة. ويطالب الكثيرون منا بإنشاء المزيد.» نستطيع باستخدام الأقمار الصناعية الاستدلال على الرطوبة في التربة السطحية على امتداد مساحات واسعة، لكننا لن نعرف نسبة الرطوبة في حالة الجذور العميقة.
في حين تتحمل التربات الجافة جزءًا من المسئولية عن الارتفاعات الاستثنائية الحادة في الحرارة، فإنها ليست السبب الوحيد. ربما يكون نموذج فيدال قد أعاد تمثيل الحر اللافح الذي شهده عام ٢٠٠٣، ولكنه أيضًا تنبأ بأن مثل هذه الفصول الصيفية الحارة لن تحدث على الأغلب قبل نهاية هذا القرن. وبالطبع لا يمكن أن نعزو إلى هذه الظاهرة جميع أحوال الطقس الغريبة التي نشهدها. ليس من الضروري أن تكون خبيرًا في المناخ حتى تستنتج أن ثلوج طرابلس لم تحدث بسبب موجة حر. لكن يعتقد بعض الباحثين أنهم يعرفون السبب المحتمل وراء هذا؛ إنه بطء الرياح النفاثة.
الرياح النفاثة هي رياح عالية السرعة تُحدِث مسارًا متعرجًا خلال طبقة الجو العليا. يتكون تيارا الرياح النفاثة القطبيان — حيث يهب كل منهما على أحد نصفي الكرة الأرضية — نتيجة الاختلاف في درجات الحرارة بين المناطق الاستوائية الدافئة والقطبين الباردين. في المناطق الاستوائية، يزداد حجم الهواء الجوي ويرتفع بفعل درجات الحرارة المرتفعة. تقول جنيفر فرانسيز من جامعة راتجرز في نيو جيرسي: «وكأن تلًّا من المناطق الاستوائية تحدَّر على القطبين.»
تسحب الجاذبية بعض هذا الهواء للأسفل نحو القطبين. وبسبب دوران الأرض، ينعطف الهواء في اتجاه واحد، وهو ما يدفع الرياح النفاثة القطبية من الغرب إلى الشرق.
لا تتسم الرياح النفاثة بمواقع ثابتة، ولكنها تتحرك جنوبًا أو شمالًا وتكوِّن أيضًا تيارات متعرجة كبيرة أو موجات. تقول فرانسيز: «تتوقف موجة كبيرة كهذه فجأة مخلفةً وراءها دوامة هوائية تبقى ثابتة في مكانها حتى تستكين من تلقاء نفسها. وعندما يحدث شيء كهذا، يظل الطقس بالقرب من الدوامة الهوائية ثابتًا أيامًا أو ربما أسابيع.»
يعبث البشر حاليًّا بهذا العنصر الحيوي من عناصر الغلاف الجوي. ترتفع الحرارة في منطقة القطب الشمالي أسرع منها في بقية أرجاء الكوكب، وأحد أسباب هذا هو ذوبان الثلج والجليد اللذين يعكسان ضوء الشمس هناك، ليكشفا عن يابسة وبحر يمتصان ضوء الشمس. يقلل هذا الأمر الفرق في درجات الحرارة بين المناطق الاستوائية والمنطقة القطبية. أوضحت فرانسيز في بحث نشرته عام ٢٠٠٩ أنه أثناء فصول الصيف التي يقل فيها جليد البحار في المنطقة القطبية — مما يعني أن المحيط يمتص مزيدًا من الحرارة — يصبح التل الجوي أقل انحدارًا (مجلة جيوفيزيكال ريسيرتش ليترز، مجلد ٣٦، صفحة 07503L). نستخلص من هذا أن القوة المحركة للرياح النفاثة القطبية الشمالية تضعف شيئًا فشيئًا.
عندما تقل سرعة الرياح النفاثة، تتخذ مسارًا أكثر انحرافًا، وتتحرك التيارات متعرجة المسار ببطء أكبر. وهذا أمر مهم للغاية؛ لأن الرياح النفاثة تدفع أنظمة الطقس في كل الأنحاء. ومن ثم، عندما يتغير موقع الرياح ببطء أكبر أو يظل في مكان واحد أسبوعين — وهو ما يطلق عليه خبراء الطقس نمط الحجز — يُرجَّح أن يصبح الطقس متطرفًا. إذا وجَّهَت الرياح النفاثة نظام ضغط منخفض تلو الآخر نحوك، فسوف تواجه بردًا قارسًا كما حدث في المملكة المتحدة في أبريل من العام الحالي عندما سجل هطول الأمطار رقمًا قياسيًّا. وإذا حجزت الرياح البطيئة نظام ضغط مرتفع في مكانه، فسوف تتعرض لحر لافح.
تقول فرانسيز: «مرور يوم أو يومين من الحر أو البرد أمر مألوف. أما إذا استمر الأمر أسبوعًا أو أسبوعين، فعندها يفزع الناس عندما يرون الثلوج تغطي الموانئ.» لعبت أنماط الحجز دورًا في أغلب ظواهر الطقس المتطرفة في نصف الكرة الشمالي في السنوات الأخيرة، ومن بينها الشتاء الجليدي وتساقط الثلوج غير المسبوق، والصيف الذي حل في مارس.
أكّد باحثون آخرون أن الرياح النفاثة آخذة في الضعف، وأوضحوا أن هذا يؤدي إلى المزيد من أحداث الحجز. واليوم، اكتشفت فرانسيز تأثيرًا جديدًا للدفء الذي يجتاح المنطقة القطبية. تقول: «فكَّرتُ في أنه إذا كان الشمال يتعرض للدفء أكثر من الجنوب، فإن ذلك سيؤدي إلى امتداد القمم الشمالية لمرتفعات الضغط الجوي لمساحات أبعد نحو الشمال.» استخدمت فرانسيز أثناء عملها مع ستيفن فافروس من جامعة ويسكونسن-ماديسون نماذج طقس دقيقة التفاصيل لإعادة تمثيل أحداث ماضية وتتبع مخططات الضغط الجوي. وبالفعل مالت المرتفعات الجوية للامتداد صوب الشمال خلال السنوات الأخيرة. هذا الأمر يجعل تيارات الرياح النفاثة المتعرجة أكثر تطرفًا، فتجلب هواءً دافئًا نحو الشمال، وهواءً باردًا نحو الجنوب؛ أي نحو مناطق مثل روما وطرابلس.
بهذا يتضح أن نصف الكرة الأرضية الشمالي على مقربة من المزيد من فوضى الطقس نتيجة زيادة دفء الكوكب. في بعض السنوات، قد تلغي آلية الرياح النفاثة آليةَ التربات الجافة، ولكن في سنوات أخرى قد تعززها، لأن الرياح النفاثة البطيئة تتسبب أحيانًا في حلول فصول شتاء وربيع شديدة الجفاف وأيضًا فترات من الحر اللافح في الصيف. ومع ذلك، لا يُرجح أن تتأثر الرياح النفاثة القطبية في نصف الكرة الجنوبي في المستقبل القريب لأن درجة حرارة القارة القطبية الجنوبية ترتفع ببطء عن بقية أنحاء العالم.
  • استـفـزاف العنـاصر

قد تكون هناك آليات أخرى غير معروفة حتى الآن تسهم في جموح الطقس حاليًّا، أو سيكون لها أثرها عندما يزداد العالم دفئًا. على سبيل المثال، وكما أثرنا غضب الهواء والأرض، ربما نثير غضب عنصر آخر. يرتبط المحيط بالغلاف الجوي في نمط شبه دوري يُعرف باسم «التذبذب الجنوبي إل نينيو»، وفيه تتدفق المياه الدافئة ذهابًا وإيابًا على سطح المحيط الهادي لعدة أسباب أحدها الاستجابة للتغيرات في الرياح التجارية.
تسبب تقلبات «التذبذب الجنوبي إل نينيو» شتى أنواع الخلل، وكلما ازدادت المياه المتدفقة دفئًا، زاد احتمال حدوث الخلل. وقع فيضانا أستراليا وباكستان عامي ٢٠١٠ و٢٠١١ بسبب مياه سطحية دافئة على غير المعتاد تحمّل الهواء بالرطوبة، وربما يكون ذلك بسبب «التذبذب الجنوبي إل نينيو» والتغير المناخي معًا.
هل يمكن أن تزداد الأوضاع سوءًا؟ ماذا لو لم يستمر «التذبذب الجنوبي إل نينيو» وغيره من التقلبات المناخية كسابق عهدها في عالم أشد حرًّا، وإنما أصبحت أشد قوة؟ هل ندفع تلك الذبذبات بصورة تجعلها أكثر جموحًا؟ يقول رامستورف: «لا يوجد حتى الآن دليل قاطع على كلا الأمرين. لكننا نغير اتزان طاقة النظام المناخي بالكامل، لذا فإن ثبات أنماط التباين هذه أمر مفاجئ إلى حد ما.»
جزء من مشكلة دراسة هذه الظواهر أن نماذجنا المناخية لا تزال في طور البداية نسبيًّا، مع أنها آخذة في التطور. ستدير مؤسسة تعاونية دولية جديدة تُعرف باسم «ريزولف» — تضم مجموعة فيدال في جامعة ريدينج — نماذج مناخ عالمية تتميز بدقة مكانية تبلغ ٢ كيلومتر، مقارنةً بالدقة التقليدية التي تبلغ عشرات الكيلومترات. يأمل فيدال أن يوضح هذا كيفية ارتباط العمليات بعضها ببعض في أنحاء الكرة الأرضية، ويتيح للباحثين الفصل بين تأثير التربات والدورة الجوية على أحوال الطقس المتطرفة.
قد تمنحنا مثل هذه النماذج فكرة أوضح عن مدى التطرف المحتمل في أحوال الطقس المستقبلية، مع أنه لا توجد بالطبع طريقة تمكننا من التنبؤ بأحداث الطقس الفريدة من نوعها قبل وقوعها بسنوات. وعلى غرار إهمال النماذج السابقة لتغيرات الرياح النفاثة، قد تغيب عن حسابات النماذج الجديدة أيضًا بعض الآليات غير المتوقعة.
في غضون ذلك، ثمة إجراءات يمكننا اتخاذها على سبيل الاستعداد. لدى الدوائر الصحية الأوروبية الآن خطط طوارئ لمواجهة موجات الحر الشديد أفضل مما كان عليه الأمر عام ٢٠٠٣. يمكننا تصميم مبانٍ تلائم الحر الشديد، وربما يفكر المخططون في تجنب استخدام البنى التحتية الحيوية في المناطق المعرضة لخطر الفيضانات.
لكن التكيف مع تلك الظروف قد يكون باهظ التكاليف، إضافةً إلى أن طبيعة الطقس الأكثر تقلبًا في حد ذاتها تسبب مشكلات. فمثلًا، قد يكيِّف المزارعون أوضاعهم عندما يكون الطقس أكثر جفافًا أو حرارةً باستمرار، لكن إذا استمرت تقلبات الطقس ولم نستطع معرفة هل نحن بصدد جليد أو فيضانات، أم أمطار أم موجات حر، فستزداد صعوبة توقع أحوال الطقس في كل فصل. يقول رامستورف: «يصعب التكيف مع الظواهر المتطرفة غير المسبوقة، لأنها تحمل دائمًا عنصر المفاجأة.»
في الوقت الذي نعجز فيه عن التنبؤ الدقيق بما سيحدث للطقس مستقبلًا، تشير كل الدلائل إلى أننا مقبلون على طريق وعر. يقول رامستورف: «نشهد هذه الظواهر المتطرفة بعد وصول الاحتباس الحراري إلى ٠٫٨ درجة فقط، وإذا لم نفعل شيئًا وتركنا حرارة المناخ تزداد ٥ أو ٦ درجات، فسنرى كوكبًا مختلفًا تمامًا.»
=========
عثـمان ادشـيـشي