الأحد، 26 يناير 2014

مخاطر احترار كوكب الأرض

إن غازات الاحتباس الحراري التي انبعثت خلال آخر مائة عام أو نحو ذلك، لم تبدّل من مناخ كوكب الأرض فحسب، بل إنها - بالمثل - بدأت في تبديل الظروف في أعظم بيئة للحياة على سطحه ... المحيطات. إن نصف كمية ثاني أكسيد الكربون - على الأقل - التي تنبعث في كل مرّة نستقل فيها الطّائرة، أو نقوم بتشغيل جهاز تكييف الهواء، ينتهي بها المطاف في المحيطات، تلك التي تبدو للطبيعة محلاً ملائمًا كي تلقي فيه بنفاياتها. إلا أن كيمياء المحيطات أمر متراكب وبالغ الحساسية للتغيّر، فالمحيطات بطبيعتها ذات قلوية ضئيلة، وهو ما يتيح للحيوانات والنباتات التي تحيا بالبحار، أن تبني صدفاتها من مادة كربونات الكالسيوم. على أي حال، فإن ثاني أكسيد الكربون يذوب في الماء، مكونًا حامض الكربونيك، وهو ذات الحامض الضعيف الذي يحدث الفوران في المياه الغازية. وإذا كان ذلك يمنحنا شعورًا بالانتعاش إذ نتجرع زجاجة منها، فليس الأمر كذلك إذا كان سيقع على مستوى هائل على مقياس محيطات الأرض برمتها، وهو الأمر الذي بدأ في الحدوث بالفعل. لقد تسببت البشرية في تخفيض درجة قلوية المحيطات بمقدار عُشر وحدة على مقياس الأس الهيدروجيني. ووفقًا لما يقوله الأستاذ «كين كالديرا» Ken Caldeira بإدارة علوم البيئة بمؤسسة «كارنيجي» Carnegie Institution: «إن المعدل الذي يُضاف به ثاني أكسيد الكربون حاليًا إلى المحيطات، يفوق المعدّل الطبيعي بخمسين مرة، وفي خلال أقل من مائة عام قد ينخفض مؤشر الأسّ الهيدروجيني بالمحيطات بمقدار نصف وحدة عن معدّله الطبيعي. وقد لا يبدو ذلك بالانخفاض الخطير، إلا أن نصف درجة على مقياس الأسّ الهيدروجيني يعني زيادة في الحامضية بمقدار خمسة أمثال. ولأن المحيطات تُتمّ دورة تجددها في بطء بالغ - حتى لو ثبتت نسبة ثاني أكسيد الكربون بالجو - فستدوم هذه التغيرات في كيمياء المحيطات لآلاف السنين.


لقد كان هذا المجال من البحث العلمي، الذي تتسارع خطواته في الوقت الرّاهن، موضوعًا لبحث أساسي بالجمعية الملكية في يونيو من عام 2005، لفت الأنظار إلى مصادر القلق الرئيسية التي تؤرّق علماء الأحياء البحرية على نحو متزايد. وأكثرها خطورة على الإطلاق، هو احتمال تسمّم الكائنات الحية ذات الصدفات المكونة من كربونات الكالسيوم في مساحات عريضة من المحيطيْن الجنوبي والهادئ، بحلول عام 2050، هذا مع افتراض نجاحنا في المحافظة على معدلات انبعاث أقل من غازات الاحتباس الحراري خلال هذا القرن (بما يضاهي ارتفاعًا قدره درجتان مئويتان في درجة الحرارة). ومع معدلات انبعاث أعلى، ستصبح معظم محيطات الكرة الأرضية من الحامضية بحيث لا تكفل الحياة لمثل تلك الكائنات البحرية.
وأكثر أشكال الحياة أهمية مما ستطوله يد التغيير، هي تلك الحلقة من السلسلة الغذائية بالمحيطات... البلانكتون plankton. ورغم ضآلته بمفرده - حيث لا يتجاوز عرضه بضعة أجزاء من الألف من الملليمتر - فقد يكون البلانكتون الذي يقوم بعملية التمثيل الضّوئي، أهم مصدر للنباتات على الأرض، ويكافئ عمله عمل كل نباتات اليابسة مجتمعة. والمواقع التي تكثر بها البلانكتونات الضوئية هي بمثابة سلة الغذاء للمحيطات على مستوى الأرض كلها، وهي - في خاتمة المطاف - التي تعتمد عليها كل أصناف الأحياء البحرية حتى الحيتان الحدباء. غير أن لهذه البلانكتونات تركيبًا من كربونات الكالسيوم، وهو ما يجعلها - هي الأخرى - عرضة على نحو خاص للخطر مع تحول المحيطات صوب الحامضية. وحينما صاغ العلماء نموذجًا يحاكي طبيعة المحيطات في المستقبل، بضخّهم ماء ذا نسبة أعلى من ثاني أكسيد الكربون المذاب فيه اصطناعيًّا بمناطق من خلجان النرويج، لاحظوا كيف تآكلت هياكل تلك الكائنات، ثم ما لبثت أن تحللت تمامًا.
وسيؤثر ارتفاع الحامضية - بالمثل - على كائنات المحيطات الأخرى التي تحتاج أيضًا إلى ما يُبقي على غطائها الخارجي، والأسماك ذات الخياشيم بالغة الحساسية بالنسبة لكيمياء المحيط، تمامًا كحساسية رئاتنا بالنسبة للهواء. إن الرخويات والمحارات ذات الأهمية الحيوية، سواء كثروة اقتصادية أو كجزء من المنظومة البيئية على سواحل العالم، ستفقد قدرتها على بناء صدفات متينة بحلول نهاية القرن، وستتحلل تمامًا إذا ما بلغت نسبة ثاني أكسيد الكربون بالجو نحو1800  جزء من المليون، كما سيطّرد تآكل الشعب المرجانية الاستوائية، والتي أضيرت بالفعل من جراء تغير كيمياء المحيطات. ووفقًا لما يقوله عالم أحياء بحرية: «إننا مقدمون على مخاطرة هائلة، فظروف المحيطات الكيميائية بعد مائة عام من الآن، لم يحدث لها مثيل ربما عبر العصور الجيولوجية الغابرة برمّتها، ولن تكون لدى الكائنات الحية ذات الأهمية الجوهرية لنا، الآلية اللازمة للتأقلم مع هذا التغيير.
إن كل ما سبق يصور ما ستؤول إليه الأحوال إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض بنحو درجتيْن مئويتيْن. فما بالك إذا ما ارتفعت بما يقرب من ست درجات، وهو ما يتوقعه العلماء بحلول نهاية القرن الحالي؟
 أما آن الأوان أن نعيد حساباتنا لنواجه - بشجاعة - هذه المعضلة الحقة؟

المصدر : مجلة العربي العلمي