الاثنين، 25 نوفمبر 2013

جغــــــــــرافية الســـــــــــكان


جغرافية السكان فرع من فروع الجغرافيا البشرية، التي تدرس العلاقات المتعددة القائمة بين الإنسان وبيئته، والسكان هم المحور الرئيسي، الذي تدور حوله، ومن خلاله، كثير من العلوم في شتى المجالات سواء كانت علوماً إنسانية أو تطبيقية.

وتعتمد الدراسات السكانية في دراستها على مجموعة من المصادر الإحصائية المختلفة أهمها:

(أ) التعدادCensus 1.


وهو المصدر الرئيسي لدراسة توزيع السكان وتركيبهم في قطر معين خلال فترة محددة، كما أنه يسجل خصائص متعددة للسكان، مثل توزيع السكان حسب العمر، والنوع، والمهن، والديانة، والحالة التعليمية، والنشاط الاقتصادي. ويعد المسح بالعينة Sample Survey، من العوامل المكملة للتعدادات السكانية في الحصول على بيانات توضح كل أو بعض خصائص السكان.

(ب) الإحصاءات الحيوية Vital Statistics


تعتمد العوامل المؤثرة في حجم السكان، إضافة إلى التعداد، على بيانات الإحصاءات الحيوية للسكان، التي تقوم على التسجيل الحيوي، الذي يشمل تسجيل المواليد، والوفيات، والزواج، والطلاق.

وإضافة إلى المصدرين السابقين، هناك سجلات الهجرة، التي تقوم بها نقط الجمارك والجوازات والجنسية في الموانئ، والمطارات، وأماكن العبور، ومن خلالها يمكن تتبع تدفق المهاجرين من القطر وإليه سنة بعد أخرى. وتضاف أعداد المهاجرين إلى أعداد السكان المواطنين وتعرف بالزيادة غير الطبيعية[2].

ويتضح مما سبق أن الدراسات الجغرافية للسكان تتناول ثلاثة جوانب رئيسية، هي: نمو السكان، وتوزيعهم على سطح الأرض، وتركيبهم (العمري، والنوعي، والاقتصادي، والديني، والتعليمي)، والأساس في هذه الدراسة هو العلاقات المكانية التي تميز جغرافية السكان عن الديموجرافياDemography[3]، ذلك العلم الذي يتناول السكان رقمياً بوصفه موضوعاً مستقلاً عن البيئة.

سنتطرق في هذا الموضوع إلى ثلاث نقاط رئيسية وهي :

- توزيع السكـــــــــــــــان .
- النمو الســــــــــــــكاني.
- التركيب الســـــــــكاني.


1. توزيع السكان :

يختلف توزيع السكان من إقليم إلى آخر على سطح الأرض، فيلاحظ أن هناك أقاليم تتركز فيها أعداد كبيرة من السكان، بينما يقل هذا التركز في أقاليم أخرى، ويكاد ينعدم في أقاليم ثالثة، ويعني هذا أن سكان العالم موزعون توزيعاً غير عادل على سطح الأرض، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أهمها العوامل الطبيعية (كالمناخ ومظاهر السطح)، التي تؤثر في العمليات الإنتاجية والموارد الطبيعية، التي يمكن أن يستغلها الإنسان، وتعمل على تجمعه بأعداد متباينة، إلى جانب العوامل البشرية، التي تشمل المواليد، والوفيات، والهجرة، مما يؤدي إلى تباين معدلات النمو السكاني في الجهات المختلفة

ويختلف التوزيع السكاني حسب دوائر العرض اختلافاً جوهرياً وذلك لأن أقل من 10 % أقل من سكان العالم يعيشون في نصف الكرة الجنوبي، ومثل هذه النسبة يعيش بين خط الاستواء ودائرة العرض 20 شمالاً، وما يقرب من 50 % بين دائرتي عرض 20 شمالاً، 40 شمالاً، كذلك يعيش 30 % بين دائرتي عرض 40 شمالاً، و60 شمالاً، وأقل من نصف في المائة شمال دائرة العرض 60 شمالاً. أي أن حوالي أربعة أخماس السكان يعيشون بين دائرتي عرض 20 شمالاً، 60 شمالاً، على الرغم من أن هذا النطاق يشمل معظم صحاري نصف الكرة الشمالي، ويضم سلاسل جبلية وهضاباً مرتفعة كالهيملايا والتبت، إلاّ أنه يشمل منطقتي التركز السكاني الرئيسيتين في العالم، الأولى في جنوب شرق آسيا حيث يعيش نصف سكان العالم في حوالي 5 % من مساحة الأرض، والثانية في أوروبا ويعيش بها خمس سكان العالم ينتشرون على مساحة تقدر بنحو 5 % من مساحة اليابس. وقد أدى اختلاف التوزيع السكاني إلى اختلاف في كثافة السكان[4]، ومن ثم يمكن تحديد أكثر جهات العالم ازدحاماً بالسكان وأعلاها كثافة بأربع مناطق رئيسية وهي:

(أ) الجزء الجنوبي من قارة آسيا، الذي يضم الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وسريلانكا، وبورما، وتايلاند، وكمبوتشيا، وماليزيا، واندونسيا، ويكون سكانه نحو 26.2% من إجمالي سكان العالم.

(ب) الجزء الشرقي من قارة آسيا والذي يشمل الصين الشعبية، واليابان، وكوريا، وتايوان، والفلبين، وفيتنام، وهونج كونج، وسنغافورة، ومنغوليا، ويكون سكانه نحو 27.8% من إجمالي سكان العالم.

(ج) قارة أوروبا وخاصة الجزء الغربي منها، ويمثل سكان هذا الجزء نحو 10% من إجمالي سكان العالم.

(د) الأجزاء الشرقية من قارة أمريكا الشمالية، ويسهم سكانها بنحو 5% من إجمالي سكان العالم.

2. النمو السكاني :


يعد حساب معدل النمو السكاني[5] لمنطقة ما أمراً ضرورياً في علم السكان، وترجع هذه الأهمية إلى أن الدقة في حساب معدل النمو السكاني تسهم مباشرة في دقة التقديرات السكانية.

وتساهم دراسة النمو السكاني في تحديد عدد السنوات، التي تستغرقها منطقة ما في الوصول إلى حجم معلوم، إذا استمر معدل النمو على ما هو عليه، فإذا كان معدل النمو السكاني في دولة ما 2% سنوياً، مثلاً، فإن عدد السكان في هذه الدولة سوف يتضاعف بعد 35 سنة فقط، ذلك لأن السكان يتزايدون وفق مبدأ الفائدة المركبة لا الفائدة البسيطة.


3. التركيب السكاني :


ويعني الخصائص الكمية Quantitative للسكان، التي يمكن التعرف عليها من بيانات التعداد، وأهم هذه الخصائص: التركيب العمري والنوعي، والتركيب الاقتصادي، والديني، واللغوي، والحالة الاجتماعية.

(أ) التركيب العمري والنوعي

تعد دراسة التركيب العمري والنوعي Age - Sex Composition، على قدر كبير من الأهمية في دراسة السكان، ذلك لأنها توضح الملامح الديموجرافية للمجتمع ذكوراً وإناثاً أو ما يعرف بنسبة النوع[6]، ويحدد التركيب العمري الفئة المنتجة في المجتمع، التي يقع على عاتقها عبء إعالة Dependency[7]، باقي أفراده، كذلك يعد التركيب العمري والنوعي نتاجاً للعوامل المؤثرة في النمو السكاني من مواليد، ووفيات، وهجرة التي لا يمكن اعتبار أحدها مستقلاً كلياً عن الآخر بل يؤدي أي تغير في أحد هذه العوامل إلى التأثير في العاملين الآخرين.

(ب) التركيب الاقتصادي

يمكن من خلال دراسة التركيب الاقتصادي Economic Composition، تحديد ملامح النشاط الاقتصادي وأهمية عناصره وارتباطها بظروف البيئة الجغرافية، ويمكن كذلك تحديد نسبة العمالة، وحجمها، وأهميتها، وخصائصها المتعددة، ومعرفة معدلات البطالة، وتوزيعها حسب العمر، والنوع، والمهنة، كما تُسهم دراسة التركيب الاقتصادي[8] في تحديد القوى العاملة في المستقبل اعتمادا على اتجاه معدلات التغير في نمو السكان وخصائصهم الاجتماعية وإسهام الإناث في القوى العاملة.

(ج) التركيب حسب الحالة المدنية (الزواجية)

تعنى الحالة المدنية (الزوجية) Marital Status، التوزيع النسبي للسكان الذين لم يسبق لهم الزواج والسكان المتزوجين والسكان المترملين والسكان المطلقين. ويؤثر التركيب العمري ونسبة النوع تأثيراً مباشراً على نسب السكان، الذين تضمهم هذه الفئات الأربع، كما تسهم الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في تحديدها واتجاهها. ولذلك فإن الحالة المدنية للسكان ليست ثابتة، بل دائمة التغير، وهي تعكس في ذلك ظروف المجتمع السائدة اقتصادياً واجتماعياً.

(د) التركيب حسب الحالة التعليمية

تشمل التعدادات السكانية توزيع السكان الذين بلغوا سن العاشرة أو الخامسة عشرة فأكثر، حسب الإلمام بالقراءة والكتابة Literacy، وغالباً ما تكون هذه البيانات موزعة حسب العمر والنوع. ولهذه البيانات أهمية خاصة في أنها تُعد مؤشراً لمستوى المعيشة، ومقياساً للحكم على التطور الثقافي والاجتماعي، كما أنها تُعد ذات أهمية خاصة في التنبؤ بالاتجاهات التعليمية المستقبلة وفقاً للخطط الموضوعة. وفي الدول، التي تتزايد فيها نسبة الأمية Illiteracy، تكون بيانات التركيب السكاني حسب الحالة التعليمية Educational Status، ذات فائدة مباشرة في التخطيط لمحو الأمية في مناطق الدولة المختلفة.

(ه) التركيب اللغوي

من المعروف أن اللغة[9] أساس قيام الحضارة فهي تُعد مصدراً للشعور الوطني المشترك، والوحدة الثقافية تكون أقوى بكثير من الجنس والسلالة في المشاعر القومية، ولا شك أن وجود مجموعات تتكلم لغات مختلفة داخل البلد الواحد يُحدث كثيراً من المشكلات السياسية ويقود إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية قد تُحدث الانقسام في حياة الشعب.

ويُعد التركيب اللغوي Linguistic Composition، مهماً في الدول التي تتعدد فيها اللغات، فهناك أقطار كثيرة في العالم فيها لغات متعددة لمجموعات سكانية متفاوتة في أهميتها العددية كما هو الحال في الهند، وباكستان، وأندونيسا، ونيجيريا. ويذكر الكتاب السنوي الديموجرافي لعام 1956، ثلاثة أنماط من البيانات عن اللغات التي تشملها معظم التعددات وهي:

× اللغة الأصلية Mother Language وهي اللغة التي يتحدث بها الشخص في موطنه (في طفولته المبكرة).

× اللغة التي يجري الحديث بها في الوقت الراهن (أو يتحدث بها عادة في الموطن).

× المعرفة بلغة أو لغات معينة

ويُستخدم النوع الأول في المقارنة بين المجموعات السكانية حسب لغاتها المختلفة. أمّا النوعان الأخيران فتكتنفهما صعاب في مثل هذه المقارنة، إلاّ أن قيمتهما تبدو في الدراسات الخاصة بتكيف المهاجرين مع المجتمعات الجديدة ذات اللغات المختلفة الأصلية.

ويندر أن تتمشى الحدود السياسية تماماً مع الحد اللغوي للدولة، لكنها ساعدت على وجود تجانس لغوي في معظم الأحوال وأصبحت لغات الدول العظمى، التي أثرت في خريطة العالم السياسية لغات عالمية مثل الإنجليزية، والفرنسية، والأسبانية.

(ر) التركيب الديني

تتباين أقاليم العالم في توزيع الأديان بها، ولكن هناك أربعة أديان كبرى تدين بها الغالبية العظمى من سكان العالم، وهي الإسلام، والمسيحية، والهندوكية، والبوذية. وهي تنتشر في مساحات كبيرة من اليابس، ومع ذلك فهي لا تكون تجمعات بشرية متجانسة، ولا تخلو من وجود شقاق بينها.

وينعكس تباين التركيب الديني Religious Composition، على بعض المشكلات في العالم، فقد أدى ذلك التباين إلى تقسيم شبه القارة الهندية، وإلى خلق مشكلات أخرى، مثل مشكلة إيرلندا، وقبرص، والقليل من دول العالم تتميز بالتجانس الديني الكامل مثل المملكة العربية السعودية والدول الاسكندينافية، التي تعد من أكثر الدول البروتستانية تجانساً، ودول أمريكا الجنوبية التي تعد أكثر الدول الكاثوليكية تجانساً.

وعلى الرغم من أن السكان يختلفون حسب عقائدهم الدينية، فإن التركيب الديني قد لا تشمله بعض التعدادات السكانية، لصعوبة الحصول على بياناته بدقة إذا قورنت بالخصائص السكانية الأخرى. كما أنه من الصعب جداً قياس المعتقدات الدينية والسلوك قياساً إحصائياً عن طريق جمع بيانات عنها، لذا فإن هناك دولاً كثيرة لا يتضمن تعدادها مثل هذه البيانات كما هو الحال في بريطانيا.

شــــــرح المصـطلـحـات :


[1] التعداد: هو العملية الكلية لجمع، وتجهيز، وتقويم، وتحليل، ونشر البيانات الديموجرافية والاقتصادية، والاجتماعية المتعلقة بكل الأفراد في قُطر معين وزمن محدد. ويتم التعداد بصورة دورية لا سنوية. وعُرف التعداد في الأزمنة القديمة، في مصر الفرعونية والدولة الرومانية، إلاّ أن أقدم تعداد في العصر الحديث قد أُخذ في أسكنديناوه وبعض الولايات الإيطالية والألمانية خلال القرن الثامن عشر، فقد أخذ أول تعداد في أيسلندا عام 1703، والسويد عام 1749، والنرويج عام 1760، والدانمارك عام 1769، وأسبانيا عام 1787، وفي الولايات المتحدة الأمريكية عام 1790، وبريطانيا عام 1801، وفي مصر عام 1882.

[2] الزيادة الطبيعية هي الفرق بين المواليد والوفيات.

[3] تعرف الدراسة العلمية باسم الديموجرافيا Demography، أو علم السكان، وهو مصطلح يتكون من مقطعين إغريقيين هما Demos وتعني شعب أو سكان، وGraphia، وتعني وصف أو شكل، وبذلك يكون معنى المصطلح "وصف السكان". والديموجرافيا علم إحصائي يهتم بدراسة حجم، وتوزيع، وتركيب السكان.

[4] الكثافة Density: هي أبسط أنواع المقاييس المستخدمة في دراسات السكان، وتعني جملة السكان في وحدة مساحية معينة، وتُعرف بالكثافة الحسابية أو الخام Crude Density = جملة السكان في منطقة ما ÷ إجمالي المساحة الكلية لهذه المنطقة، بما أن السكان يعيشون في المناطق المعمورة فقط، فإن الكثافة في هذه الحالة تُعرف بالكثافة الفزيولوجية Physiological Density = جملة عدد السكان في منطقة ما ÷ إجمالي المساحة المعمورة، وهي بالتالي تعطي صورة أدق من الأولى.

[5] يُحسب معدل النمو بطريقتين، تعتمد الأولى على حساب الفرق بين أعداد السكان في تعدادين مختلفين، وتعتمد الثانية على تقدير معدل التغير من سجلات المواليد والوفيات والهجرة.

[6] نسبة النوع Sex Ratio، وتعرف بنسبة الذكورة. وهي عدد الذكور لكل مائة من الإناث، وتراوح نسبة النوع عند المواليد بين 104 إلى 106، أي أن عدد المواليد من الذكور يزيد على مثلهم من الإناث، وتُعد زيادة أعداد المواليد الذكور على المواليد الإناث ظاهرة طبيعية في معظم الثدييات والإنسان من بينها. ومن المؤكد أن معدلات وفيات الُرضع والمواليد موتى من الذكور تفوق مثيلتها من الإناث.

[7] تمثل الفئة العمرية (15 ـ 64) قوة العمل Labour Force، وهي تعول الفئة، التي تصغرها والفئة، التي تكبرها، وتُعرف بنسبة الإعالة الكلية Total Dependency Ratio.

[8] حددت الأمم المتحدة (مكتب العمل الدولي International Labour Office I.L.O) أنواع النشاط الاقتصادي في تصنيف خاص. يسمى التصنيف الدولي الموحد للنشاط الاقتصادي: وينقسم إلى ثلاث مجموعات: ـ. محموعة الأنشطة الأولية: Primary Group (وتشمل قطاع الزراعة، والرعي، والغابات، وصيد البر والبحر). ب. مجموعة الأنشطة الثانوية: Secondary Group (وتضم قطاع المناجم، والمحاجر، والصناعات التحويلية، والبناء، والتشييد). ج. مجموعة الأنشطة الثالثة: Tertiary Group (وتشمل الكهرباء، والغاز، والمياه، والتجارة، والنقل، والمواصلات، والخدمات).

 
[9] يختلف سكان العالم اختلافاً كبيراً من حيث اللغات التي تكلمون بها والتي يربو عددها على 2800 لغة، ينتمي الكثير منها إلى أصل سامي واحد، وهو توزيع المستشرق الروسي دياكونوف Diakonoff . 1. سامية النجوم الشمالية، وتشمل الأكادية، والبابلية، والآشورية. 2. السامية الشمالية الوسطى، وهي على حِقَبْ زمنية ثلاث: أ. الحقبة القديمة، وتشمل الكنعانية، والأوغاريتية، والعمّورية في فلسطين، وسورية، وأراضي الجزيرة بالعراق. ب. الحقبة الوسطى، وتشمل الفينيقية، والعبرية، والمؤابية، والآرامية القديمة. ج. الحقبة الحديثة، وتشمل الآررامية الغربية الجديدة أو "معلولة" في سورية، والآشورية الحديثة في العراق، وتركيا، وإيران، والاتحاد السوفيتي. 3. السامية الجنوبية الوسطى، وتشمل: العربية الفصحى. د. سامية النجوم الجنوبية وتشمل: أ. الحقبة القديمة الأخيرة ويمثلها المسهرية، والشحري، والحرسوس، والبطحري على الشطآن العربية للمحيط الهندي، والسوقطرية في جزيرة سوقطرة.
géographie General