كشف تحليل بالإستشعار عن بُعْد للغابات الإستوائية في حوض الكونغو التي
تواجه جفافًا مُزمنًا، وجود أنماط متناسقة من تراجع اخضرار الغطاء النباتي،
وزيادة درجات الحرارة، وتقلُّص قدرة تخزين المياه.
جيفري كيو. تشامبرز&
دار إيه. روبرتس
تُعتبر استجابة الغابات الاستوائية للجفاف موضوعًا يحظى بالكثير من
الأبحاث والاهتمام من قِبَل العامة وصناع السياسات معًا، كما تم تحديده
كأحد نقاط التحول في النظام المناخي للكرة الأرضية1.
للجفاف في المناطق الاستوائية عناصر موسمية ومرحلية ومزمنة، ورغم أن
الأحداث الموسمية والمرحلية للجفاف في غابات الأمازون الاستوائية تمت
دراستها بتوسع2-8، فإن حالات الجفاف المزمنة حظيت بقدر أقل من الاهتمام غالبًا بسبب التحديات التي تتضمنها عملية الكشف عن أنماط الجفاف طويل الأمد9. قام شو وزملاؤه10
بإحداث توسع كبير في برنامج أبحاث الغابات الاستوائية عن طريق التركيز على
الجفاف المزمن في حوض الكونغو في أفريقيا، وهي منطقة لم تحظ بأبحاث كثيرة
مثل حوض الأمازون.
لا يمكن تصنيف العديد من الغابات الاستوائية
بأنها غابات "مطيرة تقليدية"، لأنها تتعرض لجفاف موسمي (يتم تعريفه عادة
بأنه هطْل أقل من 100 ملليمتر من الأمطار شهريًّا لمدة 1-5 أشهر في السنة).
تتكيف الأشجار في تلك الغابات مع الجفاف الموسمي، فلا تسبب الأشهر القليلة
من تراجع هطْل الأمطار تأثيرًا كبيرًا على بنية الغابة. وعلى العكس من
ذلك.. فإن حالات الجفاف المرحلية، مثل الجفاف الكبير في الأمازون في عامي
2005 و 2010، يمكن أن تدفع أشجار الغابات الاستوائية خارج نطاق التكيف الذي
تتحمله، مما يؤدي إلى نسبة موت كبيرة تؤثر على التبادل الجوي بين الكربون
والمياه والطاقة4-6.
ورغم ذلك.. إذا كان الفارق الزمني بين هذه الأحداث المرحليّة طويلًا،
تتعرض الغابات لتغيرات بسيطة فحسب في المُجمل. وأهم المخاوف التي تواجهها
الغابات الاستوائية هي المرتبطة بالجفاف المزمن، أو حالات الجفاف الحادة
المتكررة، والتغيرات المناخية نحو حالة جديدة أكثر جفافًا.
يصف شو
وزملاؤه دراسة استخدمت بيانات الاستشعار عن بُعْد للجاذبية وموجات الضوء
العادي والمايكروويف لتقييم استجابة حوض الكونغو للجفاف طويل الأمد (الشكل). يُعتبر تساقط الأمطار السنوي في هذه المنطقة ثنائي النسق، وقد ركز
الباحثون على الحد الأقصى الثاني لكميات الهطْل الذي يحدث بين شهري إبريل
ويونيو. تكشف بيانات هطْل المطر، ومنها السجلات التاريخية التي تعود إلى
عام 1950، والبيانات الأكثر حداثة المستمَدة من مشروع "مهمة قياس هطْل
الأمطار الاستوائية"، تراجعًا مستمرًا في كميات تساقط الأمطار منذ عام
1985. كما يشير الباحثون إلى مشاهدات مستمرة من التغيرات البيئية المرافقة
لذلك. وقد تم رصد حالات من التراجع في مؤشر الغطاء النباتي المُحَسَّن EVI
(مقياس للقدرة على التمثيل الضوئي أو "الاخضرار" يتم الحصول عليه عن طريق
مستشعرات القمر الصناعي MODIS)، وتُرافِق ذلك عملية تراجع في العمق البصري
للغطاء النباتي (مؤشر على نسبة الغطاء الورقي أو الخشبي من الكتلة الحية)،
بالإضافة إلى زيادة في درجة حرارة سطح الأرض، وتراجع في كميات تخزين المياه
في الأنظمة البيئية الأرضية، وتغيرات في بنية الغابة تُقاس عن طريق تشتت
موجات المايكروويف. برصد زيادة في الإشعاع النشط المستند إلى التمثيل
الضوئي (كمية الضوء المتاح لعملية التمثيل الضوئي)، وتراجع في الكثافة
البصرية للغيوم، تكون قد اكتملت الصورة لمنطقة استوائية تتعرض لتراجع في
كميات تساقط الأمطار، وتراجع في غطاء الغيوم، وزيادة في الإشعاع الضوئي
لمدة تزيد على عقدٍ من الزمان.
الجفاف طويل الأمد. تواجه الغابات الاستوائية في حوض الكونغو نقصًا مزمنًا ومتزايدًا في المياه. |
تتناقض حالة التناسق التي أكدتها هذه القياسات عن بُعْد للجفاف في
المنطقة، مع القصة الأكثر تعقيدًا في حوض الأمازون، إذ يشير الرصد الميداني5، ودرجات حرارة سطح الأرض11، وبيانات التشتت الارتدادي للرادار6،
إلى حدوث تراجع في إنتاجية الأمازون خلال الجفاف الكبير في عام 2005. ومع
ذلك.. فإن تحليل مؤشر الغطاء النباتي المُحَسَّن يشير بشكل متكرر إلى حدوث
المزيد من الاخضرار خلال حالات الجفاف الكبرى في الأمازون3،7، مما يعكس زيادة في الإنتاجية9.
قادت هذه المشاهدات المتناقضة إلى نقاشات مهمة حول طريقة استجابة الغابات
للجفاف، والأخطاء الممكن حدوثها في قياسات مؤشر الغطاء النباتي المُحَسَّن.
مثل هذه الأخطاء تنتج عن حقيقةٍ، مفادها أنه رغم قيام الأنظمة التي
تعتمد على الاستشعار البصري عن بُعْد بقياس التغيرات في الانعكاسات
السطحية، فإن الإشارة التي تتلقاها أجهزة الاستشعار تتأثر أيضًا بالظواهر
الجوية، مثل الغيوم وجسيمات الرذاذ، وكذلك التغيرات في توجيه أجهزة
الاستشعار بالنسبة لاتجاه الشمس (ومساحات الظل المرتبطة بها). فإذا كانت
الشمس تمامًا خلف جهاز الاستشعار خلال التصوير؛ تكون الظلال أقل ما يكون،
ثم تزداد مع زيادة الزوايا بين الشمس وجهاز الاستشعار. مثل هذه التغيرات في
هندسة مواقع الشمس وأجهزة الاستشعار تقود إلى تفسيرات خاطئة للتغيرات في
قوة الإشارة والاستجابة للجفاف. على سبيل المثال.. ظهر أن مؤشر الغطاء
النباتي المُحَسَّن يبدو حسّاسًا بشكل كبير تجاه زيادة انعكاس الغابة،
ولكنه غير متأثر بالتغيرات في مساحة الأوراق الخضراء في الغابة2، ويمكن تكرار التغير في مؤشر الغطاء النباتي المُحسَّن عن طريق تغيرات موسمية في هندسة مواقع الشمس وأجهزة الاستشعار12.
هناك
عدة عوامل يمكن أن تسهم في التباين بين مشاهدات شو وزملائه في حوض
الكونغو، والتقارير المثيرة من حوض الأمازون. أحد المؤثرات الممكنة هو مدة
حالة الجفاف، حيث درس شو وزملاؤه حالة جفاف مزمنة وحادة بشكل متزايد، بينما
يبقى التساؤل عمّا إذا كان الأمازون سيشهد أيضًا حالة جفاف طويلة الأمد
مطروحًا9. وعلى كل حال، فالتحليل8
باستخدام بيانات أفضل لقياس مؤشر الغطاء النباتي المُحَسَّن، وقياس مؤشر
التباين الطبيعي للغطاء النباتي، يُظهِر بالفعل حالات واسعة النطاق من
الاسمِرار (تقلُّص الغطاء الأخضر) في الأمازون في الجفاف الكبير في عامي
2005 و2010. وتُعتبر هذه المشاهدات متناسقة مع تراجع التشتت الارتدادي
لموجات المايكروويف6.
لذا.. يبدو من الواقعي أن يكون الأمازون، مثل الكونغو، قد تعرَّض لتغيرات
بنيوية واسعة النطاق، نتيجة لحالات الجفاف، ولكنها لم تظهر في قياسات
الاستشعار عن بُعْد، المعرَّضة للخطأ.
هناك سؤال آخر مهم: ما الذي
يحدث حقًا في الغابة ليُسبِّب مثل هذه الإشارات التي تُقاس عن بُعْد؟
تستجيب أجهزة الاستشعار عادةً للتغيرات في الطبقة العليا من الغابة. وهذه
الإشارات لا تعكس ما يحدث حقيقةً في استجابة النظام البيئي برمته. وللتسبب
في تغيرات بنْية الغابة التي تدفع التبادلات الجوية بين الكربون والمياه
والطاقة المؤثرة على المناخ، فإن التراجع في قدرة التمثيل الضوئي يجب أن
يتسبب في تغيّرات أخرى، كتراجع إنتاج الكتلة الحية، وزيادة نسبة موت
الأشجار.
إحدى الاستجابات المتوقَّعة لتوجه الجفاف طويل الأمد هو
حدوث حالة انتقالية من الغابات ذات الطبقة العليا المغلقة والكتلة الحيوية
الكبيرة إلى الغابات ذات الكتلة الحيوية الأقل والأكثر انفتاحًا، وبيئات
السافانا، إلا أن عتبة ضغط المياه، ونقص الكربون، وزيادة درجات الحرارة،
وزيادة العجز في ضغط البخار الجوي، التي تحدث عندها هذه التحولات ليست
مفهومة بشكل تام13.
لا تقتصر الاستجابة للجفاف فقط على تأثيرات الطبقة العليا من الغابات،
فهناك أدوات أخرى مطلوبة، مثل قياسات النتح البخاري من أعلى، ومجمل إنتاجية
النظام البيئي14، وكذلك الأبحاث الميدانية للعمليات المحورية في النظام البيئي15، للحصول على تقييم شامل لتأثيرات الجفاف على صافي التدفق ما بين الغابة والغلاف الجوي.
وبناءً
عليه، فإن عدم وجود بيانات مستمَدّة من سطح الأرض للتحقق من صحة الإشارات
المستمدة عبر الاستشعار عن بُعْد هو عقبة مهمة أمام قدرتنا على تفسيرها.
ويتطلب الحصول على هذه البيانات بحثًا ميدانيًّا مستفيضًا باستخدام مجموعة
من المنهجيات على مستويات مختلفة. ومع استمرار احترار المناخ، سيصبح
التحديد الكمي لتأثيرات الجفاف على الغابات أكثر أهمية، ولذا.. يجب تصميم
تقنيات الاستشعار المدعومة بقياسات أرضية بأفضل طريقة تساعدنا على فهم
تطوّر نماذج المنظومات الأرضية.
المراجـع
- Lenton, T. M. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 105, 1786–1793 (2008).
- Galvão, L. S. et al. Remote Sens. Environ. 115, 2350–2359 (2011).
- Huete, A. R. et al. Geophys. Res. Lett. 33, L06405 (2006).
- Marengo, J. A., Tomasella, J., Alves, L. M., Soares, W. R. & Rodriguez, D. A. Geophys. Res. Lett. 38, L12703 (2011).
- Phillips, O. L. et al. Science 323, 1344–1347 (2009).
- Saatchi, S. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 110, 565–570 (2013).
- Samanta, A. et al. Geophys. Res. Lett. 37, L05401 (2010).
- Xu, L. et al. Geophys. Res. Lett. 38, L07402 (2011).
- Brando, P. M. et al. Proc. Natl Acad. Sci. USA 107, 14685–14690 (2010).
- Zhou, L. et al. Nature 509, 86–90 (2014).
- Toomey, M., Roberts, D. A., Still, C., Goulden, M. L. & McFadden, J. P. Geophys. Res. Lett. 38, L19704 (2011).
- Morton, D. C. et al. Nature 506, 221–224 (2014).
- McDowell, N. G. et al. Trends Ecol. Evol. 26, 523–532 (2011).
- Goulden, M. L. et al. Ecol. Appl. 14 (suppl.), 42–54 (2004).
- Hutyra, L. R. et al. J. Geophys. Res. Biogeosci. 112, G03008 (2007)
تواصل معنا أكثر