الأربعاء، 12 مارس 2014

علم الجو: الجفاف والحريق يحوِّلان مخازن الكربون إلى مصادر

لقد تمكنت الطائرات من التقاط أنفاس غابات الأمازون، وعرفت مدى انبعاث الكربون فوق حوض نهر الأمازون. وهذه النتائج تثير المخاوف من تأثيرات الجفاف القادم، وتدعو إلى إعادة تقييم كيفية استخدام الحرائق في المنطقة.
تمثل غابات الأمازون حوالي %40 من مجمل الكتلة الحية المُخزَّنة فوق سطح الأرض في الغابات الاستوائية1، لكننا لا نعرف ما إذا كان هذا النظام البيئي المهم، والمهدد في آن، سيكون مصدرًا للكربون، أم مخزنًا له، في الغلاف الجوي خلال العقود القادمة2. مع الحاجة إلى التنبؤ بسيناريوهات المناخ في المستقبل من الضروري تحسين مدى فهمنا لقدرة الغابات الاستوائية على تخزين أو إطلاق الكربون3. تحليل أعمدة الهواء فوق هذه الغابات عن طريق الطائرات يقدم أفقًا مطلوبًا بشدة لمعرفة تدفق الكربون الاستوائي. يقدم جاتي وزملاؤه4 أول تقدير لتدفق الكربون من حوض نهر الأمازون تم الحصول عليها عن طريق الطائرات على مدار سنتين. تبين نتائجهم أن التأثير المزدوج للجفاف والحرائق يمكن أن يتسبب في تحوّل غابات الأمازون إلى مصدر إجمالي للكربون في الغلاف الجوي.
قام المؤلفون بجمع عينات من الكتل الهوائية على ارتفاع عدة كيلومترات فوق قمة الغطاء النباتي للغابة في أربعة مواقع عبر غابة الأمازون، مما أدى إلى خلق منظومة من الملفات الجوية لغازي ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون تشمل منطقة حوض الأمازون بالكامل. قام الباحثون بقياس هذه البيانات خلال فترة من الجفاف عام (2010) تلتها فترة رطبة نسبيًّا من سقوط الأمطار والرطوبة عام (2011) في المنطقة.
وجد الباحثون أنه خلال سنة الجفاف تَسبَّب حرق الغطاء النباتي ـ المرتبط بالتغير في استخدام الأراضي وتراجع مستويات التمثيل الضوئي ـ في فقدان حوالي 0.48 ±0.18 بيتاجرام من الكربون (بيتا جرام يعادل 10 15 جرام) من النظام البيئي لغابات الأمازون. (كمية الكربون التي تم تخزينها من قبل الغابة بلغت 0.03 ±0.22 بيتاجرام في السنة، بينما ساهمت حرائق الغابات في انبعاث 0.51 ±0.12 بيتاجرام في السنة). أما في الموسم الماطر في 2011، أصبحت غابات الأمازون متوازنة كربونيًّا، حيث كانت كميات التخزين 0.25 ±0.14 بيتاجرام في السنة، وهو مكافئ تقريبًا للانبعاثات نتيجة الحرائق (بكمية 0.30 ±0.10 بيتاجرام في السنة). وكانت درجات الحرارة أعلى من المتوسط في السنتين، لكنها كانت متشابهة أيضًا، مما يشير إلى أن النقص في الرطوبة أسهم في تقليل معدلات التمثيل الضوئي في عام 2010، بدلًا من تجاوز عتبة درجات الحرارة.
ثبت مؤخرًا أن معدل النمو في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو التي تم رصدها على امتداد العقود الخمسة الماضية من منطقة مونا لوا في هاواي وفي القطب الجنوبي5، كانت حساسة جدًّا للتغيرات السنوية في درجات حرارة المناطق الاستوائية، كما يتم تعديلها أيضًا عن طريق ظروف الرطوبة. تشير هذه النتائج، حال وضعت جنبًا إلى جنب مع دراسة جاتي وزملائه، إلى حدوث تغير جذري في دورة الكربون الأرضية نتيجة حساسية الغابات الاستوائية حول العالم لحالات الجفاف.
يمتص الغطاء النباتي حول العالم سنويًّا مقدار 2.6 ±0.7 بيتاجرام من الكربون، مقارنةً بحوالي 9 بيتاجرامات يتم ضخها إلى الغلاف الجوي، غالبًا على شكل ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري وإنتاج الأسمنت6. قامت غابات الأمازون بتجميع متوسط 0.4 بيتاجرام سنويًّا في العقدين السابقين لعام 2005، وعلى مدى 0.3 - 0.6 بيتاجرام في كل سنة تم تقديرها من خلال جمع مستمر للعينات من حوالي 100 موقع دائم على امتداد الحوض7، وبالتالي كان لها إسهام واضح في تحقيق التوازن مع زيادة كميات الانبعاثات لغازات الدفيئة من المصادر البشرية، ولكن من غير الواضح بعد ما إذا كان هذا التجميع السنوي للكربون سيستمر ويعوِّض زيادة الانبعاثات نتيجة الجفاف واستخدام الأراضي في المستقبل.
تعمل منهجية جاتي وزملائه على قياس نسبة تبادل الغازات ما بين الغلاف الجوي والحيوي كل أسبوعَيْن على امتداد ملايين الكيلومترات المربعة، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إجراء هذه القياسات على هذا المستوى، وفي هذه المدة الطويلة. تتفوق طريقتهم على القيود الزمانية والمكانية، بالإضافة إلى بعض الافتراضات المرتبطة بطرق أخرى، مثل عمليات الجرد على مستوى مواقع جمع العينات أو النمذجة المعتمدة على بيانات الأقمار الصناعية.
يعتبر تحليل الغلاف الجوي باستخدام الطائرات أداة جوهرية في فهمنا لتدفق الكربون في الأمازون، إذ تتيح إمكانية تأسيس شبكة من الطائرات تقوم بقياس ورصد الكربون عبر المناطق الاستوائية، لمعرفة كيفية استجابة الغابات الاستوائية حول العالم للتهديدات المجتمعة لزيادة الجفاف وضغوطات استخدام الأراضي. أحد أهم ميزات هذه الطريقة قيامها بتحقيق التكامل ما بين نتائج انبعاث وتخزين الكربون من العمليات الطبيعية التي تجري في الأراضي والأنهار، مع الانبعاثات من استخدام الأراضي لإعطاء صورة إقليمية متكاملة لتدفق الكربون الكلية. ومع ذلك.. فإن فهم الدوافع والعمليات التي تقود هذا التدفق يُعَدّ مفتاحًا للإدارة المستقبلية للكربون في المناطق الاستوائية.
مع تزايد أهمية الحرائق في تحويل حوض الأمازون من مخزن للكربون إلى مصدر للانبعاثات، يُعتبر من أهم الخطوات القادمة تحليل الأنواع المختلفة من الحرائق التي تسهم في التقديرات التي توصل إليها الباحثون حول الانبعاثات الناجمة عن تلك الحرائق. أدى التحليل العمودي للغلاف الجوي، الذي قام به جاتي وزملاؤه، إلى الكشف عن وجود أول أكسيد الكربون، الذي يمكن أن يكون سبب وجوده في الجو عملية حرق الغابات، بهدف إزالتها (الشكل 1)، وإدارة الأراضي (حرق المراعي وأسلوب القطع والحرق في الزراعة، على سبيل المثال)، وكذلك الحرائق العشوائية في الطبقة السفلى من الغابة8. أكثر من حوالي 85 ألف كيلومتر مربع من الغازات تعرض للحرائق في الطبقات السفلى في جنوب الأمازون في العقد الأول من القرن الحالي، وفي المواسم الجافة يمكن أن تكون مساحة الأراضي المتأثرة بالحرائق أكبر من مجمل الأراضي التي تتعرض لإزالة الغابات من أجل فتح المساحات للزراعة والمراعي9. تقتل هذه الحرائق 8 ـ %64 من الأشجار الناضجة على امتداد مواقع الغابات في الأمازون10 وتحرق الكتلة الحية11، وبالتالي تؤدي إلى تقليل كميات الكربون المخزنة في الغابات. ومن الضروري التمييز ما بين الدوافع المختلفة وراء استخدام الأراضي، الذي يسهم في حدوث الانبعاثات الناجمة عن الحرائق، وذلك للمساعدة على تطوير استراتيجيات منع الحرائق وإدارتها، والتي يمكن أن تسهم في تقليل هذه الانبعاثات.
الشكل 1 حرائق إزالة الغابات في جنوب الأمازون
الشكل 1 حرائق إزالة الغابات في جنوب الأمازون. تشير دراسة جاتي وزملائه4 إلى أن مزيجًا من الجفاف الحاد والحرائق المرتبطة باستخدام الأراضي يمكن أن تغير منطقة الأمازون من مخزن للكربون إلى مصدر للانبعاثات إلى الغلاف الجوي.

ولأن نسبة وشدة الحرائق في الأمازون قد تزداد في المستقبل12، فإن النتائج التي توصل إليها الباحثون تثير القلق. وبالإضافة إلى ذلك.. فإن فترة الدراسة ترافقت مع أدنى معدلات لإزالة الغابات منذ بداية توثيق سجلات المعهد الوطني لأبحاث الفضاء في البرازيل عام 1988. إن الكميات الهائلة للانبعاثات الناجمة عن الحرائق، والتي وثقها الباحثون خلال الدراسة، تشير إلى أن الجهود الرامية إلى تقليل إزالة الغابات يجب أن تتصدى أيضًا لقرارات استخدام الحرائق كأدوات لإدارة الأراضي. والمحصلة هي أنه إذا زادت نسبة الجفاف والحرائق في المستقبل؛ فإنها قد تتجاوز قدرة غابات الأمازون على العمل كمخزن للكربون.
  1. Baccini, A. et al. Nature Clim. Change 2, 182–185 (2012).
  2. Davidson, E. A. et al. Nature 481, 321–328 (2012).
  3. IPCC Climate Change 2013: The Physical Science Basis (Cambridge Univ. Press, 2013).
  4. Gatti, L. V. et al. Nature 506, 76–80 (2014).
  5. Wang, X. et al. Nature http://dx.doi.org/10.1038/nature12915 (2014).
  6. Le Quéré, C. et al. Nature Geosci. 2, 831–836 (2009).
  7. Phillips, O. L. et al. Science 323, 1344–1347 (2009).
  8. Balch, J. K., Nepstad, D. C., Brando, P. M. & Alencar, A. Science 330, 1627 (2010).
  9. Morton, D. C., Le Page, Y., DeFries, R., Collatz, G. J. & Hurtt, G. C. Phil. Trans. R. Soc. Lond. B 368, 20120163 (2013).
  10. Barlow, J. & Peres, C. A. in Emerging Threats to Tropical Forests (eds Laurance, W. F. & Peres, C. A.) 225–240 (Univ. Chicago Press, 2006).
  11. Balch, J. K. et al. Global Change Biol. 14, 2276–2287 (2008).
  12.  Malhi, Y. et al. Science 319, 169–172 (2008).  

لمتابعتنا
1 . 2 . 3 . 4