ستدوم آثار الاحتباس الحراري لمئات السنين. فما هي مسئولياتنا وواجباتنا
اليوم للمساعدة في إنقاذ المستقبل البعيد؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه الآن
علماء الأخلاق.
ثمة سمة مميزة لتغير المناخ لا يقدِّرها معظم الناس حق قدرها؛ هذه السمة
هي أنَّ ارتفاع درجات الحرارة والآثار الأخرى الناتجة عن تزايد مستويات
ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ستستمر لوقت طويل جدًّا. لطالما أدرك
العلماء أن ثاني أكسيد الكربون المنبعث من احتراق الوقود الحفري يبقى
عالقًا في الغلاف الجوي على الأرجح لفترات طويلة من الوقت، قد تصل إلى
قرون. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، قدر الباحثون أن بعضًا من نتائج
التغيرات التي طرأت على مناخ الأرض، بما في ذلك ارتفاع درجة الحرارة، أطول
بقاءً من ثاني أكسيد الكربون؛ فحتى إن توقفت الانبعاثات فورًا، وبدأت
مستويات ثاني أكسيد الكربون في الانخفاض تدريجيًّا، ستظل درجات الحرارة
مرتفعة على نحو ثابتٍ لألف سنة أو أكثر. إن درجة حرارة الأرض آخذة في
الارتفاع، وما من وسائل يمكن التنبؤ بها بسهولة لخفضها مرة أخرى؛ وحتى
برامج الهندسة الجيولوجية المحفوفة بالمخاطر أفضل ما بوسعها هو تعديل درجات
الحرارة المرتفعة على نحو مؤقت فحسب.
إن هذا الإدراك صادم بحق، خاصة مع الأخذ في الاعتبار مدى ضآلة ما أحرز من تقدم في إبطاء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. لكن الطبيعة طويلة المدى للمشكلة على وجه التحديد هي التي تجعل من تقليل الانبعاثات في أقرب وقت ممكن — وبنحو جذري بقدر المستطاع — مهمة ملحة للغاية. ولكي تتاح لنا فرصة جيدة لتحقيق الهدف المعترف به على مستوى العالم والمتمثل في إبقاء درجة الاحترار عند ٢ درجة مئوية أو تحتها، يتعين أن تقلل الانبعاثات على نحو جوهري على مدار السنوات القليلة القادمة. بحلول عام ٢٠٥٠، يجب أن تكون هذه الانبعاثات قد قلَّت إلى النصف أو أكثر من مستوياتها عام ٢٠٠٩.
التفاوت بين الوقت الذي نحتاج فيه إلى التصرف، والوقت الذي ستتحقق فيه المكاسب يساعد على تفسير السبب في أن تغير المناخ يمثل مشكلة شائكة على المستويين السياسي والاقتصادي، فكيف يمكنك أن تقنع الشعوب والحكومات بالاستثمار في مستقبل بعيد؟ من الواضح أن هذه ليست بالمشكلة التي يمكن معالجتها بسهولة على يد معظم السياسيين، بالأخذ في الاعتبار الحاجات العاجلة والملحة لناخبيهم. ونظرًا لأن تصرفنا (أو عدمه) تجاه مشكلة تغير المناخ يتضمن تحديد مسئولياتنا تجاه الأجيال القادمة وإدراكنا لها، فإنه يقع حقًّا في نطاق الفلسفة الأخلاقية والسياسية.
على مدار السنوات القليلة الماضية، بدأ عدد صغير — لكنه متنامٍ — من الكُتَّاب في محاولة الإجابة عن بعض الأسئلة العميقة؛ ما هي المبادئ التوجيهية الأخلاقية التي ينبغي للخبراء الاقتصاديين اتباعها عند تقييم تكاليف الحاضر في مقابل مكاسب المستقبل؟ كيف ينبغي لنا أن نقيم الإشكاليات، بما في ذلك مخاطر التغيرات الكارثية الناجمة عن الاحتباس الحراري؟ هل ستكون الهندسة الجيولوجية حلًّا أخلاقيًّا؟ كيف يؤثر تغير المناخ على إدراكنا للعالم ودورنا المستقبلي فيه؟ جاءت الفروق بين الاستنتاجات التي خلصوا إليها طفيفة، ويمكن أن تتوقف على تعريفات لا يمكن للكثيرين تمييزها لمصطلحات مثل: «العدالة» و«المصلحة الأخلاقية». لكن منطقهم كثيرًا ما يقدم أفكارًا كاشفة في أكثر قضايا السياسة إلحاحًا اليوم.
تتمثل إحدى أكثر القضايا إثارةً للجدل في التحليل الاقتصادي لسياسة تغير المناخ في كيفية الموازنة بين تكاليف إجراء التغييرات الآن، والمكاسب التي ستدركها الأجيال القادمة، أو الضرر الذي ستتجنبه. ويلمح بروم إلى أنه قد يُفترض أنه ينبغي لنا أن نفعل كل شيء بوسعنا فعله الآن، لكن هذا ربما يكون خطأً، لأن الإجراءات بالغة الجذرية قد يكون لها نتائج شديدة السلبية على من يعيشون اليوم، لدرجة أن أثرها سيظل ملموسًا لأجيال. يحاول بروم جاهدًا التوصل إلى كيفية موازنة تلك العوامل بطريقة مسئولة أخلاقيًّا، ويخلص إلى أن خبراء الاقتصاد — بوجه عام — محقون في تبني ما يسمى بتحليلات المكاسب والتكاليف لتقييم الإجراءات المتخذة لمجابهة تغير المناخ. لكنه يشدد على أن الافتراضات الأخلاقية التي تستند إليها هذه التحليلات شديدة الأهمية، وخبراء الاقتصاد غالبًا ما يتجاهلونها أو يسيئون فهمها.
تتمثل إحدى الأدوات الأساسية المستخدمة في تحليل المكاسب والتكاليف فيما يسميه خبراء الاقتصاد بمعدل الخصم، الذي يتيح وضع قيمة معينة اليوم في استثمار ما لن يأتي بعائد قبل تاريخ بعينه في المستقبل. وفقًا للمثال الذي ضربه بروم، إذا كان معدل الخصم هو ٦٪ في السنة، يمكنك شراء كمية معينة من الأرز الآن، لكنك ينبغي أن تدفع ٩٤٪ من السعر اليوم على أن يصلك الأرز خلال عام، أو أن تدفع ٨٣٫٠٦٪ إذا ما كان سيصلك خلال ثلاثة أعوام. الفكرة الأساسية هي أن الناس سيكونون أكثر ثراءً في المستقبل مع استمرار النمو الاقتصادي، ومن ثم فإن أي قدر من سلعة ما أو مبلغ من المال ستقل قيمته عما هي عليه الآن. وكلما زاد سعر الخصم، قلت القيمة المخصصة للسلعة المستقبلية.
إن الطريقة التي يحسب بها خبراء الاقتصاد معدل الخصم لها آثار مهوِّلة على سياسة الطاقة. في عام ٢٠٠٦، نشر نيكولاس ستيرن — خبير اقتصادي بارز في مدرسة لندن للاقتصاد وكبير الخبراء الاقتصاديين سابقًا في البنك الدولي — تقرير «اقتصاديات تغير المناخ»؛ وهو تقرير مؤثر نادى بالإنفاق الفوري والضخم (ونادى منذ فترة أقرب باستثمارات أكبر). وقد استخدم ستيرن معدل خصم منخفضًا على نحو غير معتاد يقدر ﺑ ١٫٤٪؛ مما أدى به إلى تحديد قيمة مرتفعة للمكاسب المستقبلية من استثمارات اليوم التي تهدف لمجابهة تغير المناخ. وقد هوجم ستيرن على الفور من عدد من الاقتصاديين الأكاديميين. الشيء الأبرز هو نشر كتاب «مسألة موازنة» لمؤلفه ويليام نوردهاوس من جامعة ييل، وقد جادل فيه بأن معدل الخصم ينبغي أن يكون حوالي ٥٪. ومن ثم خلص نوردهاوس إلى أن الإنفاق لمجابهة تغير المناخ ينبغي أن يكون أكثر تدرجًا إلى حد كبير، وأن جزءًا كبيرًا من الإنفاق ينبغي أن يؤجل لعقود عديدة.
بطبيعة الحال، يحسب خبراء الاقتصاد معدل الخصم من خلال استخدام أسواق المال لتحديد العائد المتوقع على رأس المال. والمنطق وراء ذلك هو أن السوق هو أكثر الأساليب ديمقراطية لتحديد القيمة. ولكن في حين أن هذه الممارسة يمكن أن تكون فعالة في توضيح قيم السلع، يرى بروم أن حساب معدل الخصم لإجراءات مكافحة تغير المناخ أكثر تعقيدًا إلى حد كبير. وأحد الأسباب هو أن الطريقة المعتادة لا تضع في الاعتبار بنحو وافٍ احتمالية أنه حتى لو أصبح الناس أكثر ثراءً في المستقبل، فإن تغير المناخ قد يقلل من جودة حيواتهم بطرق أخرى مهمة؛ ومن ثم فإنها لا تقدر الاستثمارات الحالية حق قدرها. وينتهي بروم إلى دعم معدل خصم مشابه لما اقترحه ستيرن.
ولكن نقطته الأهم، ببساطة أكثر، هي أن حتى مثل هذه التقييمات الاقتصادية الكمية يتعين أن تنطوي كليًّا على مبادئ أخلاقية.
يتأمل
كذلك بروم في تداعيات طريقة تفكيرنا في المخاطر القصوى. يتفق معظم الناس
على أن الاستثمار في تجنب عاقبة مزعجة أمر جدير بالعناء، حتى وإن كانت هذه
العاقبة غير مرجحة. وهذا هو سبب شرائنا طفايات الحريق، ووثائق تأمين بيوتنا
ضد الحرائق، حتى وإن كان احتمال اشتعال الحريق أمرًا غير وارد. لكن كيف
ينبغي لنا تقييم القدرة على تجنب العواقب الكارثية غير المحتملة إلى حد
كبير؟ بدأ بعض خبراء الاقتصاد الرواد في الجدل حول أن تلافي مجرد الاحتمال
البعيد لوقوع مثل هذه العواقب ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي لسياسة تغير
المناخ. ومما لا يثير الدهشة دعوة بروم للاستعانة بمبادئ أخلاقية لتقييم
مدى السوء الذي يمكن أن تكون عليه العواقب المختلفة، وإلى أي مدى ينبغي أن
نركز على تجنبها. وهذا يعني اتخاذ قرارات صعبة بشأن قيمة الحياة البشرية
وقيمة النظم الطبيعية؛ كما يعني تقدير مدى ما سيكون عليه الأمر من «سوء»
إذا ما قلص تغير المناخ من تعداد البشر. يقول بروم: «إن اتخاذ القرار بأن
الأمر سيكون سيئًا جدًّا جدًّا يتطلب تحليلًا أخلاقيًّا.»
إن تركيز بروم على منطق الخبراء الاقتصاديين ليس اعتباطيًّا. فبحسب قوله، «لطالما تبوأ» خبراء الاقتصاد «دور القيادة في أغلب الأحيان» فيما يتعلق بتوجيه السياسات الحكومية المعنية بتغير المناخ. ويضيف بروم: «لكنهم لا يُقيِّمون أسسهم الأخلاقية كما ينبغي دائمًا.» وبعدم وضع مستقبل البشر وصالحهم وتلك القيم التي يصعب تقدير قيمتها مثل جمال الطبيعة في الاعتبار بشكل كامل، يقول بروم إن كثيرًا من الاقتصاديين قد بخسوا على نحو خطير مقدار ما ينبغي علينا إنفاقه الآن لمعالجة تغير المناخ.
بعد نشر هذا الكتاب، يقول هاملتون إنه أصبح مقتنعًا بأن «الفجوة المتزايدة» بين الأدلة العلمية المقبولة على نطاق واسع على مخاطر الاحتباس الحراري العالمي، وانعدام التقدم السياسي تجاه معالجة المشكلة، ستزيد من الضغط لرؤية الهندسة الجيولوجية كخيار مجدٍ. ويتوقع هاملتون أن تكون الهندسة الجيولوجية «الموضوع المهيمن على النقاشات حول تغير المناخ خلال الخمس إلى العشر سنوات التالية». لذلك، في كتابه الأحدث «سادة الأرض: فجر عصر هندسة المناخ»، يلقي هاملتون نظرة نقدية على مقترحات الهندسة الجيولوجية المختلفة، مثل استخدام جسيمات الكبريت أو مواد صناعية لحجب الشمس جزئيًّا. إنه متشكك للغاية من أن تعالج مثل هذه الخطط التي تهدف إلى إعادة ضبط الغلاف الجوي للأرض مشكلة تغير المناخ، ومتشكك كذلك إلى حد عميق من دوافع مؤيديها.
يستخدم هاملتون مصطلح «لعب دور الإله» لوصف عجرفة بعض الأشخاص الذين يقترحون الاستعانة بالهندسة الجيولوجية. وهو يشك في أننا سنكون بارعين في ذلك، أو أننا سنكون عادلين في استخدام تكنولوجيا من المرجح أن تضر ببعض الناس وتساعد آخرين. والأسوأ ربما أنه قال إن اقتراح استخدام مثل هذه التدابير الخطيرة لأننا فشلنا في معالجة تغير المناخ بالتقنيات الموجودة؛ يثير مشكلات أخلاقية، ويلوي المنطق السليم.
في تفكير هاملتون، تعد
الهندسة الجيولوجية بمنزلة آخر مثال على الأمل الذي يراودنا في أن تنقذنا
«الحلول التكنولوجية» من براثن الاحتباس الحراري العالمي. ويشير إلى
الاستثمارات الضخمة في عملية احتجاز الكربون وتخزينه على أنها وسيلة لعكس
تأثير الانبعاثات الصادرة من حرق الفحم — واصفًا إياها بأنها غير مثمرة على
الأغلب — ويكتب قائلًا إن «الوعد الزائف» الذي تعدنا به عملية احتجاز
الكربون وتخزينه قد أسهم في «عقد ضائع من معالجة تغير المناخ». لا تتمثل
المشكلة فقط في أن «معجزات الطاقة» هذه ليس مرجحًا أن تعمل كما يأمل
مناصروها، لكن احتمالية نجاحها تتسبب في مخاطرة أخلاقية، إذ يغري الناس
بالإصرار على اتخاذ إجراءات محفوفة بالمخاطر دون توقع عواقب وخيمة. والأكثر
من ذلك — بحسب قول هاملتون — أن الاعتماد على الحلول التكنولوجية يتجاهل
الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية التي أسفرت عن أزمة تغير المناخ
من البداية.
في كتابه «عاصفة أخلاقية مدمرة: المأساة الأخلاقية لتغير المناخ»، يخلص ستيفن إم جاردنر إلى استنتاجات مشابهة بعد تحليل من نوع مختلف إلى حد كبير. على عكس هاملتون، جاردنر — أستاذ الفلسفة بجامعة واشنطن — لم يظهر سوى قليل من الاهتمام بكل من الأطراف الفاعلة والسياسات التي تقف وراء الهندسة الجيولوجية؛ وإنما حلل بدقة شديدة التبريرات الأخلاقية لوضع هذه التكنولوجيا في الاعتبار.
بوجه خاص، يشكك جاردنر في المنطق الساذج الذي يرى أنه نظرًا لأن الهندسة الجيولوجية قد يتضح أنها «الأقل ضررًا» إذا ما طرأت حالة مناخية ما في المستقبل، فينبغي أن نكون الآن قائمين على البحث فيها لفهم هذه التكنولوجيا وأخطارها. ويؤكد جاردنر أن هذا الجدل يُخفي كثيرًا من التحديات الأخلاقية. أليس من غير الأخلاقي منا أن ننتظر من جيل قادم أن يتحمل مخاطر الهندسة الجيولوجية، ويتكبد تكاليفها لأننا فشلنا في معالجة تغير المناخ؟ ألن يتسبب الحث على إجراء أبحاث ضخمة عن الهندسة الجيولوجية في زيادة الاحتمالية المشئومة لاستخدامها؟
علاوة على ذلك، يثير تغير المناخ مشكلات أخلاقية عويصة للغاية. يشير عنوان كتاب جاردنر إلى تلاقي ثلاث «عواصف» أخلاقية منفصلة، أو «عوائق أمام قدرتنا على التصرف على نحو أخلاقي»؛ أكبرها هي أن الأجيال المستقبلية تحت رحمة الأجيال الحالية، وهو ما يسميه أحيانًا إلقاء الأجيال المتعاقبة للوم بعضها على بعض. تنطوي العاصفتان الأخريان على الآثار المختلفة لتغير المناخ حول العالم وعلى الجماعات السكانية المختلفة، واحتمالية أن الإشكالات النظرية في مناح ٍ مثل أخلاقيات ما بين الأجيال وعلم المناخ ستصعب علينا التصرف. يمضي جاردنر عبر ٥٠٠ صفحة تقريبًا في محاولة تحديد الآراء المتباينة الناتجة عن تلك العواصف، مستنتجًا أنه «لن يكون من السهل لنا أن نخرج سالمين من الناحية الأخلاقية».
ومع ذلك، قد تكون أول خطوة واضحة هي الإقرار بالقضايا الأخلاقية المرتبطة بتغير المناخ، واحتمال الحاجة إلى اتخاذ بعض القرارات الصعبة. ويصيب جاردنر حين يقول إن كثيرًا من النقاش العام يسيطر عليه «المتفائلون على المستويين التكنولوجي والاجتماعي»، والذين يدافعون عن الحلول «المربحة لجميع الأطراف» التي ستتيح لنا معالجة المشكلة دونما بذل أية تضحيات اقتصادية، أو اللجوء إلى خيارات أخلاقية صعبة. هل يمكن للطاقة الخضراء أن تحل المشكلة ببساطة، ليس لنا فقط، وإنما كذلك للأجيال القادمة؟ إننا نشرع في معرفة الإجابة؛ ليس من أثر على اقتراب ثورة التكنولوجيا النظيفة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن التكنولوجيا النظيفة تعني اتخاذ خيارات صعبة. وعلاوة على ذلك — بحسب قول جاردنر — التعلق بذلك الأمل يشوش على الأسباب الحقيقية وراء حاجتنا إلى القيام بشيء ما إزاء تغير المناخ:
لقد
بدأنا بالكاد في مناقشة القضايا الأخلاقية المرتبطة بتغير المناخ. وفي
الواقع، قليلون هم من يقرون بالدور الأساسي الذي ينبغي للقضايا الأخلاقية
أن تؤديه في القرارات المتعلقة بسياستنا، وبالتأكيد مسئولياتنا تجاه
المستقبل البعيد نادرًا ما تشكل جزءًا من النقاش العام. ولكن مع الأخذ في
الاعتبار الأدلة المقنعة التي قدمها علماء المناخ على أن أفعالنا على مدار
العقود العديدة القادمة سيكون لها آثار مباشرة على أجيال ستعيش بعد سنوات
عديدة من وقتنا هذا، يجب علينا أن نفكر في الأبعاد الأخلاقية لاستجابتنا.
ومثلما يذكر جاردنر في نهاية كتابه: «لقد حان الوقت للتفكير بجدية بشأن
مستقبل البشرية.»
إن هذا الإدراك صادم بحق، خاصة مع الأخذ في الاعتبار مدى ضآلة ما أحرز من تقدم في إبطاء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. لكن الطبيعة طويلة المدى للمشكلة على وجه التحديد هي التي تجعل من تقليل الانبعاثات في أقرب وقت ممكن — وبنحو جذري بقدر المستطاع — مهمة ملحة للغاية. ولكي تتاح لنا فرصة جيدة لتحقيق الهدف المعترف به على مستوى العالم والمتمثل في إبقاء درجة الاحترار عند ٢ درجة مئوية أو تحتها، يتعين أن تقلل الانبعاثات على نحو جوهري على مدار السنوات القليلة القادمة. بحلول عام ٢٠٥٠، يجب أن تكون هذه الانبعاثات قد قلَّت إلى النصف أو أكثر من مستوياتها عام ٢٠٠٩.
التفاوت بين الوقت الذي نحتاج فيه إلى التصرف، والوقت الذي ستتحقق فيه المكاسب يساعد على تفسير السبب في أن تغير المناخ يمثل مشكلة شائكة على المستويين السياسي والاقتصادي، فكيف يمكنك أن تقنع الشعوب والحكومات بالاستثمار في مستقبل بعيد؟ من الواضح أن هذه ليست بالمشكلة التي يمكن معالجتها بسهولة على يد معظم السياسيين، بالأخذ في الاعتبار الحاجات العاجلة والملحة لناخبيهم. ونظرًا لأن تصرفنا (أو عدمه) تجاه مشكلة تغير المناخ يتضمن تحديد مسئولياتنا تجاه الأجيال القادمة وإدراكنا لها، فإنه يقع حقًّا في نطاق الفلسفة الأخلاقية والسياسية.
على مدار السنوات القليلة الماضية، بدأ عدد صغير — لكنه متنامٍ — من الكُتَّاب في محاولة الإجابة عن بعض الأسئلة العميقة؛ ما هي المبادئ التوجيهية الأخلاقية التي ينبغي للخبراء الاقتصاديين اتباعها عند تقييم تكاليف الحاضر في مقابل مكاسب المستقبل؟ كيف ينبغي لنا أن نقيم الإشكاليات، بما في ذلك مخاطر التغيرات الكارثية الناجمة عن الاحتباس الحراري؟ هل ستكون الهندسة الجيولوجية حلًّا أخلاقيًّا؟ كيف يؤثر تغير المناخ على إدراكنا للعالم ودورنا المستقبلي فيه؟ جاءت الفروق بين الاستنتاجات التي خلصوا إليها طفيفة، ويمكن أن تتوقف على تعريفات لا يمكن للكثيرين تمييزها لمصطلحات مثل: «العدالة» و«المصلحة الأخلاقية». لكن منطقهم كثيرًا ما يقدم أفكارًا كاشفة في أكثر قضايا السياسة إلحاحًا اليوم.
حتى وإن صار الناس أكثر ثراءً في المستقبل فقد يقلل تغير المناخ من جودة حيواتهم. |
القيمة المستقبلية
في كتابه «شئون مناخية: الأخلاقيات في عالم يواجه الاحترار»، يشرح جون بروم — أستاذ فلسفة الأخلاق في جامعة أكسفورد — الطرق والحجج التي تساعدنا في فهم التبعات الأخلاقية للاحتباس الحراري، ويوضح كيف أن هذا المنطق يمكن أن يقدم أفكارًا كاشفة مفيدة عن الكيفية التي ينبغي لنا التصرف بها. يولي بروم — الذي تلقى تدريبًا في الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا — اهتمامًا خاصًّا لتقييم الأحكام الأخلاقية التي يطلقها خبراء الاقتصاد. يقول بروم: «أدرك خبراء الاقتصاد، لنقل قبل خمسين عامًا مضت، أن الاقتصاد قائم على افتراضات أخلاقية؛ لكن عددًا منهم بدا أنه قد نسي ذلك خلال العقود الأخيرة. إنهم يعتقدون أن ما يفعلونه يقع على نحو ما في منطقة خارج نطاق الأخلاق. والأمر ليس كذلك بوضوح. وتغير المناخ خير دليل على ذلك.»تتمثل إحدى أكثر القضايا إثارةً للجدل في التحليل الاقتصادي لسياسة تغير المناخ في كيفية الموازنة بين تكاليف إجراء التغييرات الآن، والمكاسب التي ستدركها الأجيال القادمة، أو الضرر الذي ستتجنبه. ويلمح بروم إلى أنه قد يُفترض أنه ينبغي لنا أن نفعل كل شيء بوسعنا فعله الآن، لكن هذا ربما يكون خطأً، لأن الإجراءات بالغة الجذرية قد يكون لها نتائج شديدة السلبية على من يعيشون اليوم، لدرجة أن أثرها سيظل ملموسًا لأجيال. يحاول بروم جاهدًا التوصل إلى كيفية موازنة تلك العوامل بطريقة مسئولة أخلاقيًّا، ويخلص إلى أن خبراء الاقتصاد — بوجه عام — محقون في تبني ما يسمى بتحليلات المكاسب والتكاليف لتقييم الإجراءات المتخذة لمجابهة تغير المناخ. لكنه يشدد على أن الافتراضات الأخلاقية التي تستند إليها هذه التحليلات شديدة الأهمية، وخبراء الاقتصاد غالبًا ما يتجاهلونها أو يسيئون فهمها.
تتمثل إحدى الأدوات الأساسية المستخدمة في تحليل المكاسب والتكاليف فيما يسميه خبراء الاقتصاد بمعدل الخصم، الذي يتيح وضع قيمة معينة اليوم في استثمار ما لن يأتي بعائد قبل تاريخ بعينه في المستقبل. وفقًا للمثال الذي ضربه بروم، إذا كان معدل الخصم هو ٦٪ في السنة، يمكنك شراء كمية معينة من الأرز الآن، لكنك ينبغي أن تدفع ٩٤٪ من السعر اليوم على أن يصلك الأرز خلال عام، أو أن تدفع ٨٣٫٠٦٪ إذا ما كان سيصلك خلال ثلاثة أعوام. الفكرة الأساسية هي أن الناس سيكونون أكثر ثراءً في المستقبل مع استمرار النمو الاقتصادي، ومن ثم فإن أي قدر من سلعة ما أو مبلغ من المال ستقل قيمته عما هي عليه الآن. وكلما زاد سعر الخصم، قلت القيمة المخصصة للسلعة المستقبلية.
إن الطريقة التي يحسب بها خبراء الاقتصاد معدل الخصم لها آثار مهوِّلة على سياسة الطاقة. في عام ٢٠٠٦، نشر نيكولاس ستيرن — خبير اقتصادي بارز في مدرسة لندن للاقتصاد وكبير الخبراء الاقتصاديين سابقًا في البنك الدولي — تقرير «اقتصاديات تغير المناخ»؛ وهو تقرير مؤثر نادى بالإنفاق الفوري والضخم (ونادى منذ فترة أقرب باستثمارات أكبر). وقد استخدم ستيرن معدل خصم منخفضًا على نحو غير معتاد يقدر ﺑ ١٫٤٪؛ مما أدى به إلى تحديد قيمة مرتفعة للمكاسب المستقبلية من استثمارات اليوم التي تهدف لمجابهة تغير المناخ. وقد هوجم ستيرن على الفور من عدد من الاقتصاديين الأكاديميين. الشيء الأبرز هو نشر كتاب «مسألة موازنة» لمؤلفه ويليام نوردهاوس من جامعة ييل، وقد جادل فيه بأن معدل الخصم ينبغي أن يكون حوالي ٥٪. ومن ثم خلص نوردهاوس إلى أن الإنفاق لمجابهة تغير المناخ ينبغي أن يكون أكثر تدرجًا إلى حد كبير، وأن جزءًا كبيرًا من الإنفاق ينبغي أن يؤجل لعقود عديدة.
بطبيعة الحال، يحسب خبراء الاقتصاد معدل الخصم من خلال استخدام أسواق المال لتحديد العائد المتوقع على رأس المال. والمنطق وراء ذلك هو أن السوق هو أكثر الأساليب ديمقراطية لتحديد القيمة. ولكن في حين أن هذه الممارسة يمكن أن تكون فعالة في توضيح قيم السلع، يرى بروم أن حساب معدل الخصم لإجراءات مكافحة تغير المناخ أكثر تعقيدًا إلى حد كبير. وأحد الأسباب هو أن الطريقة المعتادة لا تضع في الاعتبار بنحو وافٍ احتمالية أنه حتى لو أصبح الناس أكثر ثراءً في المستقبل، فإن تغير المناخ قد يقلل من جودة حيواتهم بطرق أخرى مهمة؛ ومن ثم فإنها لا تقدر الاستثمارات الحالية حق قدرها. وينتهي بروم إلى دعم معدل خصم مشابه لما اقترحه ستيرن.
ولكن نقطته الأهم، ببساطة أكثر، هي أن حتى مثل هذه التقييمات الاقتصادية الكمية يتعين أن تنطوي كليًّا على مبادئ أخلاقية.
معدل
الخصم هو عبارة عن قيمة مكاسب الناس في المستقبل مقارنةً بقيمة مكاسبنا.
إنه — أكثر من أي شيء آخر — يحدد ماهية التضحيات التي ينبغي للأجيال
الحالية تقديمها من أجل المستقبل. إنه شأن أخلاقي.
إن تركيز بروم على منطق الخبراء الاقتصاديين ليس اعتباطيًّا. فبحسب قوله، «لطالما تبوأ» خبراء الاقتصاد «دور القيادة في أغلب الأحيان» فيما يتعلق بتوجيه السياسات الحكومية المعنية بتغير المناخ. ويضيف بروم: «لكنهم لا يُقيِّمون أسسهم الأخلاقية كما ينبغي دائمًا.» وبعدم وضع مستقبل البشر وصالحهم وتلك القيم التي يصعب تقدير قيمتها مثل جمال الطبيعة في الاعتبار بشكل كامل، يقول بروم إن كثيرًا من الاقتصاديين قد بخسوا على نحو خطير مقدار ما ينبغي علينا إنفاقه الآن لمعالجة تغير المناخ.
كيف سيكون التصرف الإلهي؟
في كتابه الذي صدر عام ٢٠١٠، «مرثية نوع: لماذا نرفض الحقيقة حول تغير المناخ»، يرى كلايف هاملتون — أستاذ الأخلاقيات العامة بجامعة تشارلز سترت بكانبرا في أستراليا — أن الوقت قد تأخر بالفعل لوقف العديد من الآثار الرهيبة للاحتباس الحراري، وأننا نكاد نكون على يقين من أننا سنجعلها أسوأ بكثير جدًّا.بعد نشر هذا الكتاب، يقول هاملتون إنه أصبح مقتنعًا بأن «الفجوة المتزايدة» بين الأدلة العلمية المقبولة على نطاق واسع على مخاطر الاحتباس الحراري العالمي، وانعدام التقدم السياسي تجاه معالجة المشكلة، ستزيد من الضغط لرؤية الهندسة الجيولوجية كخيار مجدٍ. ويتوقع هاملتون أن تكون الهندسة الجيولوجية «الموضوع المهيمن على النقاشات حول تغير المناخ خلال الخمس إلى العشر سنوات التالية». لذلك، في كتابه الأحدث «سادة الأرض: فجر عصر هندسة المناخ»، يلقي هاملتون نظرة نقدية على مقترحات الهندسة الجيولوجية المختلفة، مثل استخدام جسيمات الكبريت أو مواد صناعية لحجب الشمس جزئيًّا. إنه متشكك للغاية من أن تعالج مثل هذه الخطط التي تهدف إلى إعادة ضبط الغلاف الجوي للأرض مشكلة تغير المناخ، ومتشكك كذلك إلى حد عميق من دوافع مؤيديها.
يستخدم هاملتون مصطلح «لعب دور الإله» لوصف عجرفة بعض الأشخاص الذين يقترحون الاستعانة بالهندسة الجيولوجية. وهو يشك في أننا سنكون بارعين في ذلك، أو أننا سنكون عادلين في استخدام تكنولوجيا من المرجح أن تضر ببعض الناس وتساعد آخرين. والأسوأ ربما أنه قال إن اقتراح استخدام مثل هذه التدابير الخطيرة لأننا فشلنا في معالجة تغير المناخ بالتقنيات الموجودة؛ يثير مشكلات أخلاقية، ويلوي المنطق السليم.
لو
كان البشر محيطين علمًا بكل شيء وقادرين على أي شيء إلى حد كافٍ، هل كنا —
كما الإله — استخدمنا طرق الهندسة المناخية برحمة؟ لا يستطيع علم نظام
الأرض الإجابة عن هذا السؤال، ولا حاجة به إلى ذلك؛ إذ إننا نعرف الإجابة
بالفعل. بالنظر إلى أن البشر يقترحون هندسة المناخ بسبب سلسلة متعاقبة من
تجارب الفشل المؤسسي والسلوكيات النفعية، فإن أي مقترحات بأن نشر الدرع
الشمسي سيجري بطريقة تستوفي أقوى مبادئ العدالة والرأفة ستكون معدومة الثقة
على الأرجح، وهذا أقل ما يقال.
لقد بدأنا بالكاد التعامل مع القضايا الأخلاقية المتعلقة بتغير المناخ.
بصورة
عامة، يؤكد هاملتون على «التبعات الأخلاقية المدهشة» لتغير المناخ على
المدى الطويل، وما يقترحه الراغبون في أن يصبحوا مهندسين جيولوجيين. يقول
هاملتون إننا في «مرحلة تاريخية … إننا في حاجة إلى إعادة فتح قضية هويتنا
كنوع بيولوجي، وأي نوع من المخلوقات قد أصبحنا عليه». وسيلاحظ القارئ
المنتبه أن هاملتون لم يستبعد الهندسة الجيولوجية في المستقبل، إذا ما أصبح
الأمر محبطًا؛ وإنما يطالبنا باختبار الدوافع الاقتصادية والسياسية
لمناصري الهندسة الجيولوجية، وفهم أن محاولة هندسة المناخ تعكس ثقةً في غير
محلها في قدرة التكنولوجيا على حل المشكلات السياسية والاجتماعية. في كتابه «عاصفة أخلاقية مدمرة: المأساة الأخلاقية لتغير المناخ»، يخلص ستيفن إم جاردنر إلى استنتاجات مشابهة بعد تحليل من نوع مختلف إلى حد كبير. على عكس هاملتون، جاردنر — أستاذ الفلسفة بجامعة واشنطن — لم يظهر سوى قليل من الاهتمام بكل من الأطراف الفاعلة والسياسات التي تقف وراء الهندسة الجيولوجية؛ وإنما حلل بدقة شديدة التبريرات الأخلاقية لوضع هذه التكنولوجيا في الاعتبار.
بوجه خاص، يشكك جاردنر في المنطق الساذج الذي يرى أنه نظرًا لأن الهندسة الجيولوجية قد يتضح أنها «الأقل ضررًا» إذا ما طرأت حالة مناخية ما في المستقبل، فينبغي أن نكون الآن قائمين على البحث فيها لفهم هذه التكنولوجيا وأخطارها. ويؤكد جاردنر أن هذا الجدل يُخفي كثيرًا من التحديات الأخلاقية. أليس من غير الأخلاقي منا أن ننتظر من جيل قادم أن يتحمل مخاطر الهندسة الجيولوجية، ويتكبد تكاليفها لأننا فشلنا في معالجة تغير المناخ؟ ألن يتسبب الحث على إجراء أبحاث ضخمة عن الهندسة الجيولوجية في زيادة الاحتمالية المشئومة لاستخدامها؟
آراء متباينة
على الرغم من أنها تعكس اهتمامات وأهدافًا مختلفة، فإن هذه الكتب — مجتمعة — تشرع في إلقاء الضوء على السبب وراء أن تغير المناخ يمثل مشكلة يصعب معالجتها، بل وحتى تحديدها. وعلى أية حال، إذا كان هذا الموضوع أخلاقيًّا في الأساس، فمن البديهي أن تعجز الحلول الاقتصادية البسيطة، أو تلك القائمة على التكنولوجيا.علاوة على ذلك، يثير تغير المناخ مشكلات أخلاقية عويصة للغاية. يشير عنوان كتاب جاردنر إلى تلاقي ثلاث «عواصف» أخلاقية منفصلة، أو «عوائق أمام قدرتنا على التصرف على نحو أخلاقي»؛ أكبرها هي أن الأجيال المستقبلية تحت رحمة الأجيال الحالية، وهو ما يسميه أحيانًا إلقاء الأجيال المتعاقبة للوم بعضها على بعض. تنطوي العاصفتان الأخريان على الآثار المختلفة لتغير المناخ حول العالم وعلى الجماعات السكانية المختلفة، واحتمالية أن الإشكالات النظرية في مناح ٍ مثل أخلاقيات ما بين الأجيال وعلم المناخ ستصعب علينا التصرف. يمضي جاردنر عبر ٥٠٠ صفحة تقريبًا في محاولة تحديد الآراء المتباينة الناتجة عن تلك العواصف، مستنتجًا أنه «لن يكون من السهل لنا أن نخرج سالمين من الناحية الأخلاقية».
ومع ذلك، قد تكون أول خطوة واضحة هي الإقرار بالقضايا الأخلاقية المرتبطة بتغير المناخ، واحتمال الحاجة إلى اتخاذ بعض القرارات الصعبة. ويصيب جاردنر حين يقول إن كثيرًا من النقاش العام يسيطر عليه «المتفائلون على المستويين التكنولوجي والاجتماعي»، والذين يدافعون عن الحلول «المربحة لجميع الأطراف» التي ستتيح لنا معالجة المشكلة دونما بذل أية تضحيات اقتصادية، أو اللجوء إلى خيارات أخلاقية صعبة. هل يمكن للطاقة الخضراء أن تحل المشكلة ببساطة، ليس لنا فقط، وإنما كذلك للأجيال القادمة؟ إننا نشرع في معرفة الإجابة؛ ليس من أثر على اقتراب ثورة التكنولوجيا النظيفة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن التكنولوجيا النظيفة تعني اتخاذ خيارات صعبة. وعلاوة على ذلك — بحسب قول جاردنر — التعلق بذلك الأمل يشوش على الأسباب الحقيقية وراء حاجتنا إلى القيام بشيء ما إزاء تغير المناخ:
بوجه
أكثر عمومًا، التركيز الحالي على الأسباب المنطقية لقيام ثورة الطاقة
الخضراء يركز الضغط في موضع خاطئ. إن السبب الرئيسي للتصرف إزاء تغير
المناخ ليس أن ذلك سيجعلنا أفضل حالًا، وإنما لأن عدم التصرف ينطوي على
استغلال الفقراء والمستقبل والطبيعة … إن المناداة بالثورة الخضراء قد تؤدي
إلى جعلنا نغفل عن الجوانب المهمة في مشكلة تغير المناخ، وعلى نحو يقوض
الدافع للتصرف. والنقطة الأساسية هي أنه ينبغي لنا العمل على مشكلة تغير
المناخ، حتى إذا كان القيام بذلك لن يجعلنا أفضل حالًا: بل — في الواقع —
حتى لو جعلنا هذا الأمر أسوأ حالًا. إننا إذا ما أخفينا القضايا الأخلاقية
أو هوَّنَّا من وطأتها، فإن هذه الحقيقة المهمة ستضيع، وستتلاشى احتمالات
اتخاذ إجراء يمكن الدفاع عنه من الناحية الأخلاقية.