الأربعاء، 12 فبراير 2014

سبع خطايا في بناء السدود

مجلة البيئة والتنمية 
ما زالت الطاقة الكهرمائية من أرخص أشكال توليد الكهرباء وأكثرها شيوعاً. وهي تزود نحو 14 في المئة من كهرباء العالم، وتمثل نسبة 86 في المئة من كل الكهرباء التي تولدها الطاقة المتجددة. لكنها مرتبطة بمشاكل بيئية متعددة، بما فيها خسارة التنوع البيولوجي واضطراب خدمات النظم الايكولوجية للمياه العذبة، ما يؤثر في سبل عيش المجتمعات المحلية.
السدود التي تبنى حول العالم تلبي جزءاً هاماً من الطلب على الطاقة، لكنها قد تسبب أذى كبيراً في المقابل. وقد أصدر الصندوق العالمي لصون الطبيعة (WWF) في أيار (مايو) 2013 تقريراً بعنوان «سبع خطايا في بناء السدود»، يتناول الانتهاكات التي يرتكبها مطورو هذه المشاريع المائية، ويتضمن دراسات حالة من تسعة سدود حول العالم.
 
إغفال الكلفة الحقيقية
الخطيئة الأولى هي، ببساطة، البناء على النهر غير المناسب. فاختيار خاطئ لموقع السد قد يؤثر في كل شيء، من تدفقات المياه في مجرى النهر الى التأثيرات التراكمية على المجتمعات المحلية والبيئة. والتقييم الصحيح باستخدام أدوات ملائمة، مثل أداة التقييم السريع لاستدامة الطاقة الكهرمائية على مدى الحوض (RSAT)، يساعد في تحديد المواقع المناسبة وغير المناسبة لبناء منشآت الطاقة الكهرمائية.
وفيما تُحول السدود أعالي الأنهار الى خزانات راكدة، يتم أيضاً إغفال التدفقات في مجرى النهر بعد السد. وتتأثر بهذه الخطيئة الثانية نوعية المياه والترسبات وخدمات النظم الايكولوجية. وينصح الصندوق العالمي لصون الطبيعة بتنفيذ نظم تدفق فعالة مراعية للبيئة لتحقيق تشغيل مستدام للسدود.
ولا يجوز الاستهتار بالتنوع البيولوجي، ليس فقط أثناء بناء السدود بل في كل مشاريع البنى التحتية. والسدود التي ترتكب هذه الخطيئة الثالثة قد تتسبب في خسارة الموائل وتجزئة سبل التواصل الأرضية والمائية. واذا تبين أن مشروع إقامة سد سوف يساهم في انقراض أنواع حية معرضة للخطر، فمن الأفضل عدم المضي في المشروع.
سوء تقدير االجدوى الاقتصادية خطيئة رابعة، تؤكد شعار حملة الصندوق العالمي لصون الطبيعة عام 2003 أن «الكلفة الحقيقية للسد لا تظهر أبداً في ميزانية عمومية». فكثير من مشاريع السدود الكبرى تحقق فوائد وأرباحاً اقتصادية في حين تتجاهل التكاليف الاجتماعية والبيئية. ويطالب الصندوق بإجراء تقييمات دقيقة تشمل احتمالات تقلبات الأسواق في ظل سيناريوهات تغير المناخ.
ويجب ادخال مصالح المجتمعات المتأثرة بمشاريع السدود في صلب صنع القرار، وإلا ارتكب المطورون خطيئة عدم حيازة قبول الجماعات المحلية بالعمل. وينشأ النزاع عند تجاهل أمور إعادة توطين الناس الذين اقتلعوا من أرضهم لبناء السد، وضمان سبل عيش الذين يقطنون في أسفل مجرى النهر، بسبب سوء التشاور والتواصل بين الأطراف المعنيين. وعلى مطوري المشروع أن يحافظوا على علاقات جيدة مع الجماعات المحلية التي ستتأثر بالمشروع، بغية تأمين «ترخيص اجتماعي» بالعمل وتحقيق قبول المجتمع.
 
بدائل أقل كلفة وضرراً
اختصار الطريق في مشاريع كبرى مثل بناء السدود يؤدي غالباً إلى الخطيئة السادسة، وهي سوء إدارة المخاطر والتأثيرات. وإهمال التقييم الدقيق والتحضير الجيد يكلف وقتاً وجهداً وموارد أكثر مما يوفر، بحيث ينتقل مطورو المشاريع من حالة طوارئ إلى أخرى. إن مقاربة «العيون المفتوحة» للمخاطر الأكيدة والتأثيرات السلبية المتوقعة تساعد المطورين في تجنب هذه الخطيئة.
وتؤدي المبالغة في ما «يمكن أن تفعله» الهندسة في إدارة الموارد المائية إلى تطوير مجحف للموارد المائية، وذلك ببساطة لأن المطورين يتبعون نزعة متهورة الى البناء. وكما في الأخطاء الأخرى، قد يعمد المطورون إلى إبراز فوائد السدود والاستخفاف بمخاطرها بدل إجراء تقييم سليم للمشروع. وبخلق جو من المصلحة الذاتية والتحفيز والتركيز على آراء مؤيدي المشروع يسهل ارتكاب هذه الخطيئة السابعة.
الخطايا السبع في بناء السدود ليست مؤذية في المدى الطويل فحسب، بل هي أيضاً غير ضرورية. وهناك اليوم بدائل أفضل أقل كلفة وأقل ضرراً من بناء السدود المؤذية. وبامكان تحسينات بسيطة، مثل استبدال التوربينات وزيادة سعة التخزين، أن تؤدي دوراً كبيراً في عكس الأضرار الحالية على البيئة.
يقول الدكتور جيان هوا مينغ، اختصاصي الأمن المائي لدى الصندوق العالمي لصون الطبيعة، إن السدود يمكن أن تساهم في الأمن الغذائي والطاقوي، لكن فقط عند تصميمها وبنائها وتشغيلها بالشكل الصحيح. فمعرفة أفضلية عدم بناء سد يضر بالمجتمعات المحلية والبيئة مهمة بقدر معرفة كيفية بناء سد بطريقة سليمة بيئياً واجتماعياً واقتصادياً.
 
إغفال «الأثر البيئي» في سد روسي
 أقيمت ثلاثة سدود على نهر أنغارا في شرق سيبيريا. وبدأت محاولات بناء السد الرابع، وهو سد بوغوشانسكايا، منذ نحو نصف قرن. فقد تم تصميمه أصلاً في السبعينات بهدف إنتاج الطاقة الكهرمائية. وبعد عقود من المراوحة بين أعمال الإنشاء والتوقف بسبب الاضطرابات الاقتصادية وتقلبات الطلب على الطاقة، استؤنف المشروع عام 2005، وبدأ توليد الطاقة من توربينين في خريف 2012، على أن تبلغ القدرة الانتاجية 3000 ميغاواط عند اكتمال المشروع.
وعلى رغم أن «الخطايا السبع» جميعها ارتكبت في هذا السد، فلعل أفدحها سوء تحسُّب المطورين للمخاطر والتأثيرات. فمنذ تصميمه الأصلي، كانت أدوات تحديد التأثيرات وتجنبها وتخفيفها معروفة على نطاق واسع. ولكن عند استئناف المشروع، لم يخضع لتقييم الأثر البيئي بحجة أن هذا التقييم لم يكن مطلوباً عام 1976 عند الحصول على رخصة الانشاء، بموجب قانون الاتحاد السوفياتي السابق. ولم يتم التشاور مع المجتمع المدني وعرض المشروع على الرأي العام بعدما تبدد أمل الحصول على تمويل أجنبي.
شهدت مرحلة إنشاء السد انتهاكات كبيرة لأنظمة إعادة التوطين، ومعايير تعرية الغابات في حوضه، ومعايير الحفاظ على الحياة الفطرية. وترافقت تعبئة الحوض مع إهمال جسيم لمعايير الجريان الطبيعي. ويقصر تصميم السد عن تحمل الفيضانات الكبرى، ويفتقر الى ما بين 25 و40 في المئة من القدرة الاستيعابية الكافية لاحتواء كميات قصوى غير عادية من المياه تشهدها المنطقة مرة كل 1000 سنة.
وتجاهل المشروع حماية المواقع التاريخية في حوضه، بل أزيلت المواقع الأثرية المعروفة من السجلات الحكومية الرسمية. وتم إهمال جُلّ المخاطر التي قد تتعرض لها بحيرة بايكال، المدرجة على لائحة التراث العالمي، نتيجة تشغيل الشلالات على نهر أنغارا المتدفق منها، ما يهدد باستنزافها.