استطاع الكاتب الكبير «محمد حسين هيكل» هنا أن يُقدِّم لنا وثيقة تاريخية وأدبية فريدة في
أسلوبها، عظيمة في أثرها، غنية ووفيرة بما تحمله من معانٍ جمَّة، ورُوحانيات عالية، تسمو
بالنفس لتطوف بها حيثُ طاف النبي وصحبه. يحمل لنا كثيرًا من المعاني التي جاشت في
خاطره أثناء زيارته لمهبط الوحي وموطن الرسالة المُحمدية، فكانت خواطر مليئة بالإيمان تبحر
بنا في أعماق الماضي بصورة حديثة. وهذه شهادة لم يكتمها «هيكل»، على خلاف ما كان
يعتقد من إيمان عميق بالثقافة الغربية ونبذ للثقافة العربية، وهو أحد مَن كانوا يتَلمَّسون
العلم والمعرفة لدى الغرب، ولا يجدون في غيره الفلاح، حتى إذا سطعت أمامه الحقيقة في
أسمى معانيها آثر أن يكشفها لأبناء وطنه الكبير، أبناء الأمة العربية والإسلامية.
كتاب في منزل الوحي |
pdf
|
11.71 MB
|
31/12/2014
|
|
جميع الحقوق محفوظة عثمان ادشيشي © 2014
|
عن المؤلف
محمد حسين هيكل: أديب وصحافي، وروائي ومؤرخ وسياسي مصري كبير، صاحب أول
رواية عربية باتفاق نُقَّاد الأدب العربي الحديث، كما أنه قدم التاريخ
الإسلامي من منظور جديد يجمع بين التحليل العميق، والأسلوب الشائق، وكان
أديبًا بارعًا، كما كان له دور حركي كبير في التاريخ السياسي المصري
الحديث.
ولد عام 1888م بمحافظة الدقهلية لأسرة ثرية، توجه في صغره إلى الكتَّاب،
ثم التحق بمدرسة الجمالية الابتدائية، وأكمل دراسته بعدها بمدرسة الخديوية
الثانوية، ثم قرر الالتحاق بمدرسة الحقوق المصرية عام 1909م. سافر بعد ذلك
إلى فرنسا ليحصل من هناك على درجة الدكتوراه.
عاد عام 1912م إلى مصر، واشتغل بالصحافة حتى عام 1917م، مارس بعدها
التدريس الجامعي حتى عام 1922م إلَّا أنه ضاق ذرعًا بالعمل الوظيفي، فقرر
الاستقالة ليتفرغ للعمل السياسي، فكان أحد أعضاء مجلس إدارة حزب الأحرار
الدستوريين، ورئيسًا له فيما بعد، كما تقلد منصب رئيس تحرير جريدة
«السياسة» التي أسسها الحزب، وتقلَّد عدة مناصب حكومية رفيعة منها توليه
لوزارة المعارف ثلاث مرات، وتوليه لوزارة الشئون الاجتماعية، كما كان
رئيسًا لمجلس الشيوخ، ورئيسًا لوفد مصر في الأمم المتحدة عدة مرات.
مر التطور الفكري لهيكل بمراحل، حيث بدأ حياته الفكرية مؤمنًا بالقيم
الغربية، والنزعة الفرعونية التي شهدت تناميًا بسبب تقدم الدراسات
الأوروبية في حقل «المصريات»، إلا أنه بعد إمعان النظر، بدأ يُخضع ما يراه
من سلوكيات اجتماعية وأخلاقية مصاحبة للحداثة الغربية للنقد، حيث عاصر
الوجه القبيح للمشروع الحضاري الغربي الذي أدى لقيام الحرب العالمية الأولى
والثانية والتي تسببت في مقتل أكثر من خمسين مليون إنسان، كما عايش
الظاهرة الاستعمارية ورأى كيف أن الديمقراطية الغربية تكيل بمكيالين.
لم يكن متصومعًا على نفسه، يحلق بفكره في أبراج عاجية تنأى عن هموم
الناس ومشاكلها اليومية، بل كان رجل فكر وحركة، فكما كان يكتب في الفلسفة
والتاريخ والأدب، كان في ذات الوقت رائدًا من رواد العمل السياسي العام في
مصر الحديثة، يكافح من أجل استقلال مصر، وقد توفي الدكتور هيكل عام 1956م،
بعد ثمانية وستين عامًا قضاها في جهادٍ فكريٍّ وحركيٍّ.