هشام المكي - باحث في الإعلام والاتصال، حاصل على ماجستير في التواصل والتنمية
2 - مؤشرات التقرير الحالي: نظرة عامة
- دليل الفوارق بين الجنسين
- دليل الفقر المتعدد الأبعاد
- دليل التحكم بالموارد
- دليل الصحة
- دليل التعليم
- دليل التكامل الاجتماعي
- دليل الابتكار والتكنولوجي
- دليل اتجاهات السكان
3 - ملاحظات عامة على المؤشرات
- مؤشرات ذات خلفية ثقافية
- استمرار سيادة المؤشر الاقتصادي
- مؤشرات نمطية لتنمية نمطية
4 - خاتمة
5 - الهوامش
المحاور الرئيسية
1 - تطور مؤشرات تقارير التنمية البشرية2 - مؤشرات التقرير الحالي: نظرة عامة
- دليل الفوارق بين الجنسين
- دليل الفقر المتعدد الأبعاد
- دليل التحكم بالموارد
- دليل الصحة
- دليل التعليم
- دليل التكامل الاجتماعي
- دليل الابتكار والتكنولوجي
- دليل اتجاهات السكان
3 - ملاحظات عامة على المؤشرات
- مؤشرات ذات خلفية ثقافية
- استمرار سيادة المؤشر الاقتصادي
- مؤشرات نمطية لتنمية نمطية
4 - خاتمة
5 - الهوامش
- مقـدمـة
صدر تقرير التنمية البشرية الأخير لسنة 2013 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)[i] الذي تأسس سنة 1966م، تحت عنوان: "نهضة الجنوب: تقدّم بشري في عالم متنوّع". وكما يعكسه العنوان، فإن هذا التقرير يثمن الحركية التنموية الملحوظة في عدد من الدول النامية أو بلدان الجنوب، والتي حققت في الأعوام الماضية تقدما شاملا في التنمية البشرية ، بحيث أصبح لديها اقتصادات قوية، ونفوذ سياسي متزايد. حيث يتوقع هذا التقرير، أنه بحلول عام 2020، سيتجاوز مجموع إنتاج ثلاثة بلدان نامية كبرى هي: البرازيل والصين والهند، مجموع إنتاج كل من ألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وكندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. والمصدر الرئيسي لهذا النمو هو التعاون والشراكات الجديدة في التجارة والتكنولوجيا التي أصبحت تعقد بين بلدان الجنوب.
لذا يدعو التقرير إلى الاستفادة من الفكر الإنمائي الذي تزخر به تجربة الجنوب، باعتباره مصدر سياسات اقتصادية واجتماعية مبتكرة وناجحة، كما يقترح بناء مؤسسات جديدة يمكن لها أن تؤدي دورا فاعلا في التكامل الإقليمي، وفي التعاون بين بلدان الجنوب كجهات شريكة فاعلة في الاستثمار والتجارة والتعاون الإنمائي، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كوسيط لنقل المعرفة لجميع الشركاء؛ من حكومات ومؤسسات تابعة للمجتمع المدني وشركات متعددة الجنسيات.
وإذا كانت تقارير التنمية البشرية قد اعترفت لأول مرة بجهود دول الجنوب، فهل يرتبط هذا الاعتراف بتنامي الوعي الدولي بأهمية التجارب التنموية المحلية المبدعة؟ أم أنه اعتراف فرضه الإنتاج الاقتصادي المتنامي لدول الجنوب، وتأثرها المحدود بالأزمة المالية العالمية؟
إنه سؤال يقودنا إلى مناقشة المؤشرات المعتمدة في تقارير التنمية، ومدى قدرتها على اكتشاف الإبداع التنموي المحلي وقياسه.
فما هي المؤشرات المعتمدة في هذا التقرير؟ هل تعكس كل أبعاد التنمية البشرية؟ وكيف تتمكن هذه المؤشرات من قياس عوامل سياسية واجتماعية تبتعد عن الجانب الاقتصادي؟
وهل تحتضن هذه التقارير التجارب التنموية الرائدة لدول الجنوب، أم أنها تعكس تصورا نمطيا لمفهوم التنمية، ولمؤشراتها؟
- تطور مؤشرات تقارير التنمية البشرية
تعرف التنمية (Development) عموما بأنها "جمع وتركيب نوعين من التغيير الذهني والاجتماعي لجماعة ما، لجعلها قادرة على رفع ناتجها الخام الإجمالي بشكل تراكمي ومستديم".[ii]
ولهذا كانت تقارير التنمية الأولى تركز على المؤشرات الاقتصادية المرتبطة بالناتج الداخلي الخام، ومستوى الدخل الفردي لأفراد المجتمع، لكن هذه التقارير ستعرف أكبر تحول منذ سنة 1990.
حيث بدأنا نتحدث عن التنمية البشرية، هذا المفهوم الجديد الذي طرح معه إشكال قياس التنمية البشرية والمؤشرات التي ستسمح بذلك، لذلك سيأتي تقرير سنة 1990 بعنوان: "مفهوم التنمية البشرية وقياسها"، فما هو سياق تطور هذا المفهوم الجديد؟ وهل توقف تطور مؤشرات قياس التنمية البشرية عند هذا الحد؟
مع تحقيق تراكم بحثي مهم في مجال دراسات التنمية، ومع تنامي التصنيع وما خلفه من كوارث بيئية خطيرة، تبلور خطاب نقدي قوي استهدف الأبعاد الاقتصادية والمادية الجافة للتنمية، ليتوج هذا النقد بتطوير مفهوم التنمية البشرية ابتداء من سنة 1990، وهو مفهوم جذاب أضاف إلى الأبعاد الاقتصادية السابقة في مفهوم التنمية الأصلي، دور العامل البشري في إنجاح التنمية؛ إذ اعتبر أن نجاح التنمية لا يشترط فقط بتوفير الشروط الاقتصادية والمادية، بل إن الاستثمار الأساس هو الاستثمار في الإنسان وتأهيله، كما تركز التنمية البشرية على ضرورة إشراك المجتمع بشكل فاعل في التدبير وسن السياسات العمومية.
وهذا ما ترجم عمليا سنة 1990 من خلال تطوير مؤشر التنمية البشرية (HDI) من قبل الخبير الاقتصادي الباكستاني محبوب الحق وعالم الاقتصاد الهندي أمارتيا صن. وسيتضمن هذا المقياس ثلاثة عناصر "إنسانية" جديدة إضافة إلى مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي؛ إذ يتضمن مؤشر العمر المتوقع عند الولادة، ومؤشر معرفة القراءة والكتابة بين البالغين، أي محو الأمية؛ ومؤشر مستوى التعليم، من خلال معدلات الالتحاق بالمؤسسات التعليمية.
ويبرز المقياس الجديد، كيف أن التنمية لم تعد نشاطا اقتصاديا خالصا يتم تقييمه من خلال مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي؛ بل أضيف لها بعدان آخران: بعد صحي، نلمسه عموما من خلال معدل أمد الحياة، وبعد ثقافي أو معرفي، يظهر من خلال نجاح بلد ما في القضاء على الأمية، وتعميم التعليم.
أيضا شمل التطوير والتقويم الالتفات إلى الأبعاد البيئية في التصور التنموي، إذ كانت التنمية بداية تركز على الاستغلال الأقصى للموارد الطبيعية، لرفع الإنتاج إلى أقصى نسبة ممكنة، لكن هذا الاختيار طرح مشكلة كبيرة؛ إذ أن الموارد الطبيعة للكوكب محدودة، وقابلة للنضوب، في حين أن الإنتاج والحاجة للاستهلاك لا متناهيان.. كما أن للتصنيع ضريبة أخرى خطيرة؛ هي الارتفاع المطرد في نسبة التلوث، مما دفع الباحثين إلى القلق على مصير الكوكب ومستقبل الأجيال القادمة.
وكانت نتيجة هذا القلق، تطوير مفهوم التنمية المستدامة، إثر تقرير برانتلاند[iii] الذي اعتمد أساساً لمؤتمر الأمم المتحدة في ريو دي جانيرو سنة 1992، لتصبح التنمية المستدامة ذات خلفية إيكولوجية، تسعى إلى تأمين رفاهية الأجيال الحالية، مع المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية، بما يضمن رفاهية الأجيال اللاحقة.
والمؤشر السابق نفسه تم تطويره، ليضم متغيرات جديدة تحيل على مجالات جديدة أيضا، إذ أضيفت العوامل السياسية والبيئية إلى اللائحة، بالإضافة إلى تكنولوجيا الاتصال ومقاربة النوع.
حيث أصبح مؤشر التنمية الإنساني البديل (AHDI) يضم ستة متغيرات:[iv]
- العمر المتوقع عند الولادة، كمؤشر لتقييم مستوى الصحة العامة.
- مقياس التحصيل العلمي، لتقييم نجاح البلد في محو الأمية، وتعميم التعليم (خصوصا الابتدائي) على كل الأطفال والناشئين.
- مقياس الحرية: ويعبر عن مدى التمتع بالحريات السياسية والمدنية.
- مقياس تمكين النوع: ويعبر عن مدى إشراك النساء الفعلي في المجتمع.
- مقياس عدد الحواسيب والربط بالإنترنت حسب عدد السكان، لقياس تمكن الأفراد من تكنولوجيا الاتصال، معرفيا وتواصليا.
- مقياس انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون حسب الفرد، لقياس مدى الإضرار بالبيئة.
وما زال العمل على تطوير المؤشرات مستمرا إلى الآن؛ فمنذ سنة 2010 أصبحنا نتحدث عن مؤشر عدم المساواة، ومؤشر الفوارق بين الجنسين، ومؤشر الفقر المتعدد الأبعاد؛ وإن كان هذان المؤشران الأخيران في طور الاختبار.
- مؤشرات التقرير الحالي: نظرة عامة
يتناول تقرير التنمية البشرية الحالي (2013) خمسة فصول معنونة كالتالي: حالة التنمية البشرية – الجنوب في قلب العالم- محركات التحول في التنمية - استمرار الزخم- الحكم والشراكة في عصر جديد، بالإضافة إلى ملاحق إحصائية ومجموعة من الخرائط والأشكال البيانية.
ويرتبط مؤشر التنمية البشرية عموما بقياس متوسط العمر المتوقع للمواطن ومستوى التعليم ومحو الأمية ومستوى الدخل الفردي. لكن منذ سنة 2010م، أصبحت تقارير التنمية البشرية، تتناول دليل التنمية البشرية معدلا بعامل عدم المساواة، بالإضافة إلى دليلين في طور الاختبار، هما: دليل الفوارق بين الجنسين، ودليل الفقر المتعدد الأبعاد.
كما تحدد جداول التقرير الفارق بين ترتيب البلد حسب الدخل القومي الإجمالي وترتيبه حسب دليل التنمية البشرية، الذي يشير إلى مدى قدرة البلد على استخدام الدخل بفعالية لتحقيق تقدم في بعدي التنمية البشرية غير المرتبطين بالدخل. كما تطرح من قيمة الدليل الأصلي قيمة عدم المساواة في كل عامل من العوامل الثلاثة، وهو ما يمكنه أن يحدد المستوى الفعلي للتنمية البشرية ( بعد حساب عدم المساواة). أما دليل التنمية البشرية السابق فيمثل المستوى الذي كان من الممكن تحقيقه لو توزعت الإنجازات بالتساوي بين السكان، وبهذا يمكن حساب الفارق بين الدليلين لحساب المستوى المحتمل للخسارة في التنمية البشرية نتيجة لعدم المساواة.
ويتم تحديد عامل عدم المساواة بقياس الفوارق بين المرأة والرجل على مستوى الصحة الإنجابية والتمكين وسوق الشغل.
وفي ما يلي، توضيح لأهم المؤشرات المعتمدة في تقرير التنمية البشرية لسنة 2013:
- دليل الفوارق بين الجنسين
دليل الفوارق بين الجنسين هو دليل مركب اختباري لقياس الفوارق بين المرأة والرجل في الإنجازات المحققة في أبعاد الصحة الإنجابية والتمكين وسوق الشغل، موزع على المؤشرات التالية: نسبة وفيات الأمهات لكل 100000 ولادة حية، ومعدل خصوبة المراهقات؛ أي عدد الولادات لكل امرأة من الفئة العمرية (15- 19 سنة)، وعدد مقاعد النساء في المجالس النيابية، ونسبة النساء من ذوي التحصيل العلمي الثانوي على الأقل، ومعدل المشاركة النسائية في القوى العاملة للبلد. وقد صمم هذا المؤشر ليقدم أساسا تجريبيا يستفاد منه في تحليل السياسة العامة والدعوة للمساواة.
دليل الفقر المتعدد الأبعاد
دليل اختباري صمم لقياس الحرمان المتعدد الأوجه الذي يواجهه البشر في التعليم والصحة ومستوى المعيشة، وهذا الدليل يقيس حالات الفقر المتعدد الأبعاد غير المرتبط بالدخل، كما يقيس شدة هذا الفقر، وتدخل في حساب هذا الدليل نسبة كل وجه من أوجه الحرمان في كل بعد، لتكوين فكرة وافية عن الأشخاص الذين يعيشون حالة فقر.
- دليل التحكم بالموارد
ويضم عاملين هامين هما:
- أولا: الاقتصاد حيث نجد مجموعة من المؤشرات كالناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وتم حسابهما بمعادل القوة الشرائية لدولار 2005 بالمليارات، وتكوين رأس المال الثابت الإجمالي، ودليل أسعار المستهلك الذي يقيس التغير في متوسط سعر سلة من السلع والخدمات يمكن أن تكون ثابتة أو متغيرة على فترات زمنية محددة قد تكون سنوية.
- ثانيا: الإنفاق العام، ويضم مؤشرات النفقات العامة على الاستهلاك النهائي (مجموع النفقات الحكومية الجارية على المشتريات من السلع والخدمات)، والإنفاق العام على الصحة، والتعليم، والأغراض العسكرية، بالإضافة إلى مجموع خدمة الدين.
- دليل الصحة
يضم دليل الصحة أربعة مؤشرات هي:
- التغطية بالتحصين: وتمثل نسبة الأطفال في عمر السنة الذين تلقوا جرعات ثلاث من اللقاح الثلاثي ضد الخناق والشهاق والكزاز والحصبة، ونسبة الأطفال ذوو النقص الحاد أو الطفيف في الوزن دون سن الخامسة؛
- معدل انتشار فيروس نقص المناعة بين الشباب من سن 15 إلى 24 سنة؛
- معدلات الوفيات: سواء العادية أو لأسباب محددة كالملاريا والكوليرا والقلب والشرايين والسكري؛
- نوعية الرعاية الصحية وتضم مؤشرين هما الرضا بنوعية الرعاية الصحية، وتحدد من خلال الإجابة عن سؤال "استطلاعات غالوب"[v] العالمية: في هذا البلد، هل أنت مرتاح لنظام الرعاية الصحية والطبية؟ أما المؤشر الثاني فيمثل عدد الأطباء العاملين والمتخصصين لكل 1000 من السكان حسب إحصاءات ( 2005-2010).
- دليل التعليم:
يضم التعليم ثلاثة مؤشرات هي:
- المؤشر الأول هو التحصيل العلمي، ويضم نسبة السكان الحاصلين على التعليم الثانوي على الأقل، ومعدل إلمام البالغين بالقراءة والكتابة (بالنسبة المئوية من فئة 15 سنة فما فوق) الذين يملكون القدرة على كتابة مقطع قصير وسهل عن حياتهم اليومية وقراءته وفهمه.
- أما المؤشر الثاني للتعليم فيتعلق بالنسبة المئوية الإجمالية للالتحاق بالتعليم عبر أسلاكه الثلاثة: الابتدائي والثانوي والعالي؛
- ويَهُم المؤشر الثالث نوعية التعليم، ويحسب من خلال أداء أو نتائج التلاميذ في سن 15 سنة في مجموعة من المواد الدراسية كالقراءة والرياضيات والعلوم، والنسبة المئوية للمعلمين المدربين على التعليم الابتدائي، ونسبة المجيبين بالرضا بنوعية النظام التعليمي على سؤال استطلاعات غالوب العالمية.
- دليل التكامل الاجتماعي
ويضم هذا الدليل أربعة مؤشرات هي:
- مؤشر العدل والتعرض للمخاطر والإنصاف: حساب النسبة المئوية للعاملين من فئة 25 سنة وما فوق من مجموع السكان، والنسبة المئوية لبطالة الشباب من مجموع القوى العاملة، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، والذين لا يزاولون عملا لقاء أجر ولا يعملون لحسابهم، ولكنهم جاهزون للعمل، ويحاولون إيجاد عمل لقاء أجر أو إنشاء عمل لحسابهم الخاص. أما نسبة تشغيل الأطفال فتحتسب من الفئة العمرية 5 سنوات إلى 11 سنة، الذين قاموا بنشاط اقتصادي لمدة ساعة أو بأعمال منزلية لمدة 28 سنة على الأقل خلال أسبوع معين، أو من الفئة العمرية 12 إلى 14 سنة، والذين قاموا بنشاط اقتصادي لمدة 14 ساعة على الأقل أو بأعمال منزلية لمدة 28 ساعة على الأقل خلال أسبوع معين.
- مؤشر رفاه الفرد: يتضمن الرضا بالحياة العامة كحصيلة الردود حول سؤال استطلاعات "غالوب" العالمية: تخيل نفسك تصعد سلما من الدرجة (0) إلى الدرجة (10)، مفترضا أن الدرجة السفلى تمثل أدنى مستوى قد تعيشه في الحياة والدرجة العليا أفضل مستوى، وكلما صعدت في الدرجات تحسنت حياتك، بالإضافة إلى الرضا بحرية الخيار والوظيفة المستخلصين كذلك من هذه الاستطلاعات؛
- مؤشر النظرة إلى المجتمع، من خلال استطلاعات غالوب العالمية، والمرتبطة بالثقة في الأفراد والرضا بالمجتمع المحلي والثقة في الحكومة الوطنية؛
- مؤشر الأمان البشري، حيث يتم قياس الشعور بالأمان لدى السكان ومعدل جرائم القتل المتعمدة التي يرتكبها شخص بحق شخص آخر فتودي بحياته، ومعدل الانتحار، وكلاهما يحسب لكل 100000 شخص.
- دليل الابتكار والتكنولوجيا
ويتضمن ثلاثة مؤشرات:
- البحث والتطوير: من خلال معاملات عدد الباحثين من كل مليون شخص، والنسبة المئوية للمتخرجين في العلوم والهندسة، والإنفاق على البحث العلمي والتطوير، وعلى الأعمال الخلاقة التي تنفذ على نحو نظامي لزيادة المعرفة واستخدامها في تطبيقات جديدة. ويغطي هذا الإنفاق مشاريع البحث الأساسي والبحث التطبيقي والتطوير الاختباري.
- مؤشر الابتكار: ويضم مجموعة من المعاملات كالبراءات الممنوحة والمداخيل المحصلة من رسوم التراخيص والحقوق؛
- مؤشر اقتناء التكنولوجيا: ويضم معدل الإمداد بالكهرباء وعدد مستخدمي الإنترنيت لكل 100 شخص، والمشتركين في الهاتف الثابت والنقال، وعدد الحواسيب الشخصية المعدة ليستخدمها فرد واحد لكل 100 شخص.
- دليل اتجاهات السكان
ويضم مجموعة من المؤشرات الديمغرافية كمجموع السكان ومعدل النمو السكاني، وسكان المناطق الحضرية والعمر الوسيط، ونسبة الإعالة الإجمالية ومعدل الخصوبة الكلي باعتبار عدد الأطفال الذين تنجبهم كل امرأة إذا عاشت حتى آخر سنوات الإنجاب وأنجبت في كل عصر أطفالا حسب معدل الخصوبة السائد لذلك العصر، ونسبة الذكور إلى نسبة الإناث عند الولادة...
- ملاحظات عامة على المؤشرات
يعكس التغيير المستمر والتجديد في مؤشرات التنمية عدم النجاح – إلى حدود الآن- في ابتكار مؤشرات دقيقة وشاملة، تسمح بقياس المستويات الحقيقية للتنمية في كل البلدان. إذ يصطدم هذا الأمر باختلاف البلدان فيما بينها من حيث الأنظمة والظروف الاقتصادية، والخصوصيات السياسية، مما يجعل المؤشرات في حد ذاتها مجحفة في حق بعض الدول. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، لا تعبر تلك المؤشرات بشكل دقيق عن مختلف مجالات التنمية وما تخلفه من انعكاس إيجابي على مجالات مباشرة من حياة الإنسان: المجال الصحي، الثقافي، السياسي...
وفي ما يخص المؤشرات المستخدمة في التقرير الحالي، فهي متنوعة، يسكنها هاجس الدقة. ويحركها هدف التعبير الدقيق عن نوعية الحياة التي يعيشها المواطن، وهو الهدف الذي تؤطره قناعة عامة بعدم كفاية المؤشرات الاقتصادية من قبيل مستوى الدخل الفردي أو الناتج الوطني للبلوغ إليه.
لذا تبقى نتائج التقرير نسبية دائما، لكنها ضرورية لفهم حالة التنمية في البلدان بشكل عام وهذا يفيد في انتهاج إجراءات تنموية عملية.
لكن ينبغي أن ننتبه إلى الملاحظات التالية:
- مؤشرات ذات خلفية ثقافية
هذه المؤشرات ليست مخرجات علمية محايدة، بقدر ما تتأثر برؤية فلسفية وثقافية؛ ففي السنوات الأولى للحديث عن التنمية كانت المؤشرات اقتصادية بشكل أساسي، لكن ستضاف إليها أبعاد إنسانية وبيئية تبعا للنقاش الفكري حول مفهوم التنمية ذاته.
وهذا الأمر سينعكس على بعض المؤشرات التي تعكس اختيارات ثقافية أساسا، ففي المجال الصحي: ومن بين المؤشرات المقترحة، يتم الحديث عن معدل انتشار فيروس نقص المناعة بين الشباب. وغم خطورة الفيروس، فإن هناك أمراضا عديدة تنتشر في العالم وتهدد سكانه بشكل فعلي، على رأسها أمراض السمنة والسكري مثلا. لكن الحديث عن معدل انتشار فيروس نقص المناعة بين الشباب، قد يعكس سياقا ثقافيا أكبر، يرتبط بتقدير الغرب لأهمية الحريات الفردية والثقافة الجنسية.
- استمرار سيادة المؤشر الاقتصادي
رغم أن المؤشرات الحالية تحاول ما أمكن قياس جوانب متعددة من حياة الإنسان، خصوصا الجوانب الاجتماعية والصحية والثقافية والسياسية... إلا أن تلك المؤشرات تلجأ في كثير من الأحيان إلى معاملات اقتصادية.
فدليل الابتكار والتكنولوجيا مثلا، يتضمن مؤشر البحث والتطوير: الذي يتم قياسه – بالإضافة إلى معاملات أخرى- من خلال مستوى الإنفاق على البحث العلمي والتطوير، ومؤشر الابتكار يستند إلى المداخيل من رسوم التراخيص والحقوق.
وهذا يبرز اعتماد المؤشرات الغير اقتصادية على دلائل اقتصادية.
- مؤشرات نمطية لتنمية نمطية
هناك العديد من التجارب التنموية المحلية عبر العالم، والتي قام بها أفراد بسطاء من دول ما يسمى بالعالم الثالث، ورغم بساطة تلك التجارب، فإنها تقوم على حلول مبتكرة تستجيب لمشاكل متعددة ذات خصوصية محلية، وتقدم بدائل جديدة، سواء لأنماط العيش، أو لخلفياتها الفلسفية.
كما أن ابتكارات العالم الثالث تعبر عن استجابات فعلية لمشاكل حقيقة في الواقع المعيش، مثل بعض السلوكات التضامنية التي تعرفها البلدان العربية، والتي ألفها الناس لدرجة عدم الانتباه إلى كونها عمليات تنموية حقيقية تسهم في دعم التماسك الاجتماعي، ومواجهة بعض المشاكل الاجتماعية الطارئة، بشكل يوفر حتى على الدولة عبء التدخل من خلال مؤسسات التأمين الحديثة.
أو ما تعرفه بلدان المغرب العربي من ظاهرة لجوء الفلاحين إلى التعاون الجماعي على الأعباء الفلاحية في مواسم الحصاد، مما يعكس حلا مبتكرا أمام نقصان اليد العاملة، أو عدم قدرة بعض الفلاحين الصغار على تحمل تكاليف الحصاد.
أو ما عرفته بعض الدول الآسيوية من تجارب تنموية مبتكرة مثل القروض الصغرى التضامنية وغير الربوية، والتي تدعم المشاريع الصغرى المدرة للدخل. وهي مشاريع صغيرة لدرجة أن التقارير التنموية الرسمية تعجز عن ملاحظتها والتعبير عنها في مؤشرات خاصة بها.
فهل هناك مؤشرات عملية لقياس الابتكارات الاجتماعية ذات الخلفية الحضارية التي تمتد على كل بلدان العالم؟ وتتنوع تبعا لتنوع الثقافات والعادات والمعتقدات؟
أم أن المؤشرات التنموية لا تعكس إلا النموذج التنموي الغربي؟
- خاتمة
في الختام، نثمن التواصل الإيجابي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع الاجتهادات البحثية لتطوير مؤشرات التنمية، وهذا ما نلمسه في سعيه الدؤوب لتجديد المؤشرات وتطويرها. وهو الأمر الذي يشجعنا على مناقشة هذه المؤشرات من منظور ثقافي وفكري، يسمح لنا باكتشاف استمرار حضور العامل الاقتصادي ولو بأشكال غير مباشرة، بالإضافة إلى تعميم بعض المؤشرات ذات الخلفية الثقافية وإكسابها صبغة دولية.
غير أن الملاحظة الأبرز، هي أن تقارير التنمية إلى حدود الآن، لا تعمل إلا على قياس معدلات التنمية من خلال نموذج التنمية الغربي، وهو نموذج غير مكتمل، وبالتالي فالرهان عليه، يحرم الإنسانية من خيرات التنوع والاستفادة من تجارب متعددة.
لذا، فإذا كان التقرير الحالي قد أشاد بتجربة بعض دول الجنوب، ودعا إلى الاستفادة منها، فهو مع الأسف أسس هذه الإشادة فقط على نجاح تلك الدول في تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين مستويات معيشة مواطنيها تبعا للمؤشرات الحالية. في حين يتم تناسي تجارب الجنوب الحقيقية، والتي تمثل طاقات ابتكارية هائلة، لمواطنين بسطاء يواجهون مصاعب الحياة الحقيقية بطرق مبتكرة والأهم أنها تخلو من أي آثار سلبية على البيئة، ولا تعتمد على النموذج الاقتصادي القائم على التصنيع. لذا ليس من قبيل الصدفة أن يكون ابتكار مؤشرات التنمية البشرية ذاتها من قبل خبيرين من الدول النامية: الهند وباكستان.
ولذا، وبعد أن يسرد جيريمي سيبروك العديد من التجارب التنموية في دول آسيا على الخصوص، يعتبر أن أهميتها الحقيقية تعود إلى تعزيزها للاستقلالية والإبداع، فيتحدث سيبروك عن أولئك البسطاء قائلا: "وهم عندما يحضون على اتباع وصفات إيديولوجية "للتغيير"، فهل هناك ما يثير العجب في أنهم لا يكادون يتحركون؟، إنهم فقط يحاولون الحفاظ على تحكمهم في حياتهم، وتقوية هذا التحكم والإبقاء عليه. كما يحاولون تقييم السبل التقليدية في الحياة في العالم، والتي يهددها تصنيع يمكن ألا يترك شيئا في حاله، التصنيع لا يعترف بالملائمة ولا بالكفاية ولا بالاستقرار، لكنه يحفزنا للبحث عن أشكال من الثراء، هي دوما مصحوبة بالعقم وفقدان الاعتماد على الذاتوالعنف، مهما كانت الطيبات التي تحققها."[vi]
ولا يتعلق الأمر بنوع من التمجيد الحالم لفضيلة التنوع الثقافي الإنساني، بل هذا التنوع الثقافي أصبح مطلوبا بشكل ملح وعملي،[vii] فحسب آخر تقارير مؤسسة العالم البري الدولية (World Wild Foundation)،[viii] فإنه إذا قرر كل سكان العالم العيش وفق نفس النمط الذي يعيش به مواطن أندونيسي مستواه الاجتماعي متوسط، فسيستهلك العالم ثلثي الموارد الإحيائية التي يوفرها كوكب الأرض سنويا، أما إذا اختار سكان العالم نمط حياة مواطن أمريكي متوسط المستوى، فسيحتاج العالم إلى أربع كواكب تماثل كوكب الأرض لتوفر له حاجياته من الطبيعة، لسنة واحدة فقط!
بهذا المنطق، تصبح أنماط العيش التي تنعتها الدول المصدرة للتنمية بالأنماط المتخلفة، هي الأفضل والأسلم لضمان الاستمرار الطبيعي للحياة البشرية على كوكب الأرض، بينما تصبح النماذج التنموية الرائدة في العالم، هي في حقيقتها حالات انحدار سريع نحو الهاوية، هاوية تهدد الجنس البشري بالانقراض إذا تم استلهامها في كل دول العالم.
فكيف نبتكر مؤشرات تكتشف، ثم تُثمّن وتعمم كل التجارب التنموية العالمية، بما فيها تلك التجارب المحلية البسيطة
- الهوامش
[i] - United Nations Development Programme.
[ii] - René passet : changer l’eau de bain, mais gardez le bébé, Transversales, Sciences Culture , 2002.
[iii]- Gro Harlem Brundtland, Notre avenir à tous, Rapport de la Commission mondiale pour l’environnement et le développement, Ed. du Fleuve, Montréal, 1987.
[iv] - في مفهوم التنمية الاقتصادية ونظرياتها من منظور مقارن، كمال حطاب، ورقة قدمت في مؤتمر دولي لبحث أزمة الثقافية والتنمية في الأمة العربية والإسلامية، أنظر:
الأمة وأزمة الثقافة والتنمية، علي جمعة محمد وآخرون، تقديم عبد الحميد أبو سليمان، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2007، المجلد الأول، ص: 81.
[v] - منظمة أمريكية مستقلة، متخصصة في استطلاعات الرأي، مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية، وتشمل استطلاعاتها حوالي 140 دولة، يمكن التعرف على المنظمة من خلال زيارة موقعها الرسمي: www.gallup.com
[vi] - جيريمي سيبروك، ضحايا التنمية: المقاومة والبدائل، ترجمة فخري لبيب، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، رقم 200، ص: 282.
[vii] - أنظر دراستنا النقدية لمفهوم التنمية والتطويرات اللاحقة التي طرأت عليه:
- هشام المكي، "في ضرورة نقد التنمية: نحو رؤية أكثر تحررا"، مجلة قضايا استراتيجية، مجلة محكمة، شهرية فكرية مستقلة وجامعة، تعنى بالبحوث المستقبلية والدراسات الاستراتيجية ومقالات الرأي، تونس، عدد 4، يناير/ فبراير 2012.