يعتبر المغرب من الدول النامية كالهند والصين وتركيا حيث يعرف إصلاحات هامة وأوراش ضخمة ومنه مشروع المغرب الأخضر لتطوير الفلاحة والعالم القروي باستثمار أكثر من 10 مليار دولار.
بقلــم شكيب بنموسى
اتسمت
السنوات العشر الماضية بتلاحق مجموعة من الأزمات العالمية التي أدت إلى
بروز وعي دولي بحتمية ارتفاع أسعار الطاقة والمحروقات ذات الأصل الأحفوري،
وبالمضاعفات الكارثية للتغيرات المناخية على الإنسان وعلى التنوع
البيولوجي، خصوصاً بسبب نضوب الموارد المائية، وفي الوقت الراهن بتفاعل
أزمة الأنظمة المالية والاقتصادية العالمية التي تعكس الضعف البنيوي
للنماذج الاقتصادية الحالية.
هذه
الظرفية دفعت مجموعة من الدول إلى التفكير في رافعات جديدة للنمو الاقتصادي
ولإنتاج الثروات تضمن تنمية مستدامة. وذلك عن طريق وضع تصور لإقلاع
اقتصادي مبني على استراتيجية الانتقال الى اقتصاد أخضر، في أربعة عناصر
أساسية هي: أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري المستورد الذي أصبحت
مخزوناته مهددة بالنضوب، والأزمة الاقتصادية وتوظيف الاستثمارات الخضراء
كوسيلة للإنعاش الاقتصادي، وسياسات التخفيف من انبعاث غازات الدفيئة
المسببة للاحتباس الحراري، والقناعة القوية لبعض الدول بضرورة وضع نموذج
جديد للتنمية المستدامة المرتكزة على تغيير سلوكيات المستهلك والنماذج
التسويقية الحالية.
بناء على
ذلك، تبين مقارنة تجارب الدول التي وضعت استراتيجيات للانتقال نحو الاقتصاد
الأخضر أن هذا النموذج يتطلب استثمارات مهمة على المدى القصير، في مقابل
مردودية لا يمكن الحصول عليها إلا على المدى البعيد. من هنا، فإن التحدي
الذي يواجهه الفاعلون السياسيون هو كيفية تحقيق التوازن بين منطق المدى
القصير الذي يحكم الوعود الانتخابية والانتظارات الاجتماعية الملحة، ومنطق
المدى البعيد الذي يعلل النتائج الإيجابية للانتقال إلى اقتصاد أخضر.
ويتوجب
إنجاز حملة تحسيسية واسعة لتقريب وشرح أبعاد الاقتصاد الأخضر وتداعياته
للرأي العام. ولا بد هنا من التنويه بالدور الطلائعي الذي يلعبه المنتدى
العربي للبيئة والتنمية منذ تأسيسه، من أجل تشجيع المجتمعات والدول العربية
على حماية البيئة والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية وتحقيق التنمية
المستدامة، من خلال مقاربة تشاركية بين صانعي القرار ورجال الأعمال
والمجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية.
ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة
في ظل
المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية التي تعرفها منطقتنا، قام المغرب منذ
سنين عديدة بإطلاق مسلسل إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة بقيادة
الملك محمد السادس، تكللت عام 2011 بوضع دستور جديد للمملكة أكد على ترسيخ
قيم المجتمع المتضامن الذي يكفل للمواطنين الأمن والحرية وتساوي الفرص
واحترام الكرامة والعدالة الاجتماعية والحق في بيئة نظيفة. كما تم وضع
ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة بدأ تفعيله من خلال برامج قطاعية
ورصد اعتمادات مالية مهمة. وسيتيح تحويل هذا الميثاق إلى قانون إطار خلال
سنة 2012 إدماجاً رسمياً للبعد البيئي في جميع السياسات الوطنية الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية.
ويضطلع
المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، وهو هيئة دستورية مستقلة، بمهمات
استشارية لدى الحكومة ومجلسي النواب والمستشارين، ويعهد إليه على الخصوص
القيام بما يأتي: الإدلاء برأيه في التوجهات العامة للاقتصاد الوطني
والتكوين، وتحليل الظرفية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الوطنية
والإقليمية والدولية، وتقديم اقتراحات في مختلف الميادين المرتبطة بالأنشطة
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنمية المستدامة. وذلك من خلال
التشاور والتعاون والحوار بين الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين. وقد قام
المجلس بمعالجة موضوع «الاقتصاد الأخضر: إمكانيات خلق الثروة وتوفير فرص
العمل»، باعتباره نموذجاً جديداً للتنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة،
ومنحه الأولوية بين القضايا التي يكب على دراستها. وذلك عبر إعداد تقرير
يشمل تحليلاً استراتيجياً لهذا النموذج الاقتصادي، وتقييم إمكانات خلق فرص
للعمل والثروة على الصعيد الوطني في أربعة قطاعات أساسية للاقتصاد الأخضر،
وهي: الطاقات المتجددة، وكفاءة الطاقة، ومعالجة مياه الصرف، وتدبير
النفايات الصلبة.
لقد ساهمت
الدينامية البيئية التي تم إطلاقها خلال السنين العشر الأخيرة في مختلف
القطاعات الاقتصادية، عبر برنامج تفعيل الميثاق الوطني للبيئة والتنمية
المستدامة، واستراتيجية تعبئة الموارد المائية وترشيد استعمال الماء في
المجال الزراعي، وحماية الغابات والتنوع البيولوجي، ومخططات تنمية الطاقات
المتجددة وكفاءة الطاقة، وتقوية معالجة مياه الصرف، وتحسين تدبر النفايات
الصلبة، ووضع برامج تنمية مستدامة للزراعة والسياحة والصيد، في إرساء مناخ
إيجابي يتيح الانتقال بالاقتصاد الوطني نحو اقتصاد أخضر.
من أجل
مواجهة الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، سيعبئ المخطط المغربي الشمسي
(2000 ميغاواط) والبرنامج المغربي الريحي (2000 ميغاواط) استثمارات تتجاوز
100 بليون درهم (نحو 11 بليون دولار)، كما سيوفران فائضاً بقيمة 2,5 مليون
طن معادل للبترول، مما سيمكن من تلافي انبعاث 9,5 مليون طن من غاز ثاني
أوكسيد الكربون في السنة. وتقدر إمكانات خلق فرص العمل التي يمكن لمسالك
الطاقات المتجددة في المغرب خلقها بأكثر من 27 ألف فرصة في أفق سنة 2020.
وتسعى الاستراتيجية الوطنية لكفاءة الطاقة في قطاع البناء والصناعة والنقل
إلى تقليص فاتورة الطاقة بنحو 15 في المئة بحلول سنة 2030، الأمر الذي
سيمكن من توفير أكثر من 228 جيغاواط في السنة ويتطلب استثماراً يفوق 21
بليون درهم (2,4 بليون دولار)، مع إمكان خلق 40 ألف فرصة عمل في هذا القطاع
في أفق سنة 2020.
أما
المخطط الوطني للتطهير السائل وتصفية المياه العادمة، الذي تبلغ ميزانيته
43 بليون درهم (4,8 بليون دولار)، فإنه يسعى في أفق سنة 2020 إلى رفع حجم
الربط بشبكة التطهير إلى 80 في المئة في الوسط الحضري، ورفع نسبة تصفية
المياه العادمة الى 60 في المئة، مع تشجيع إعادة استعمال المياه العادمة
المصفاة. وسيتيح خلق أكثر من 10 آلاف فرصة عمل مباشر، زيادة على الفرص
المتوقعة في المسلك الصناعي المتعلق بإنتاج المعدات.
ويستهدف
البرنامج الوطني للنفايات المنزلية تحسين تجميع هذه النفايات والحد المناسب
منها، وتأهيل المكبات الموجودة، وإقامة مكبات جديدة مراقبة، وتشجيع مسالك
الفرز، وإعادة الاستعمال، وتدوير النفايات. وتقدر الميزانية الإجمالية لهذا
البرنامج بنحو 37 بليون درهم (4 بلايين دولار) على مدى 15 سنة، ومن شأنه
أن ينتج 11 ألف فرصة عمل مباشر.
توصيات لنموذج اقتصادي جديد
إن تحويل
الدينامية الوطنية في ما يتعلق بالتنمية المستدامة يقتضي تنزيلها من خلال
نموذج اقتصادي جديد يحافظ على الرأسمال الطبيعي ويضمن أعلى مستوى من
الانسجام الاجتماعي. ولهذا الغرض، اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي
توصيات ميدانية بتدابير تتمحور حول ستة مرتكزات كبرى، هي الآتية:
1. تحديد
استراتيجية شاملة ونمط حوكمة فعلي للانتقال إلى اقتصاد أخضر على الصعيدين
الوطني والاقليمي، تعتمد إدماج مختلف الاستراتيجيات والبرامج القطاعية. من
أجل ذلك، يوصي المجلس بوضع لجنة مركزية عليا للاقتصاد الأخضر مشتركة بين
جميع الوزارات، يكون من مهماتها اقتراح التوجيهات الاستراتيجية، وضمان
التتبع والتحسين المستمر لمختلف البرامج المعتمدة، وتقييم نتائجها
الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
2. ضمان
اندماج صناعي فعلي وتنمية داعمة للمسالك الخضراء الوطنية. وذلك عبر إنجاز
تحليل يمكن من تشخيص المسالك الصناعية الجديدة المتلائمة مع الإمكانات
الطبيعية والبشرية للبلاد، ووضع مخطط لمشاريع تطوير المقاولات الصغرى
والمتوسطة الوطنية في هذه الميادين. ويتعين كذلك إعطاء الأولوية للبرامج
الوطنية الخاصة بتنمية الطاقات الشمسية والريحية ومعالجة مياه الصرف وتدبير
النفايات الصلبة المنزلية، بهدف رفع نسبة الفائدة الناتجة عن الاستثمارات
الهامة الموظفة، عبر خلق فرص عمل وتطوير الخبرة المغربية.
3. وضع
مخطط عملي من أجل استباق الحاجات المستقبلية من الكفاءات التي تناسب
البرنامج الوطني لتطوير مسالك صناعية خضراء، بتنسيق مع مختلف الشركاء
الاجتماعيين والاقتصاديين والأكاديميين، مع الحرص على إدماج البعد
الاقليمي. كما يتعين تشجيع مبادرات البحث العلمي والتطوير والابتكار
التكنولوجي المنتج لبراءات الاختراع، التي تشمل مجموع المسالك الصناعية
للاقتصاد الأخضر. ومن جهة أخرى، فإن إدماج البعد البيئي في البرامج
التربوية وفي التعليم بمختلف أسلاكه سيمكن من تعزيز المواطنة البيئية
وتكييف السلوكيات وأنماط الاستهلاك المستقبلية.
4. تطوير
البعد الاجتماعي والسلوك الاجتماعي في إطار الاقتصاد الأخضر، مع الارتكاز
على «الميثاق الاجتماعي» الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي كمرجعية
أساسية. وكذلك وضع تدابير فعالة لتعميم آليات المسؤولية الاجتماعية
والبيئية داخل المقاولات.
5. تفعيل
الترسانة القانونية البيئية الموجودة بوضع وسائل للمراقبة والتتبع
المناسبين، وتطبيق مبدأ «الملوث يدفع»، وإصدار القانون المتعلق بالميثاق
الوطني للبيئة والتنمية المستدامة.
6. تعزيز
آليات التمويل العمومي ـ الخاص عبر صيغ تفضيلية لتخضير مختلف القطاعات
الاقتصادية، خصوصاً بالنسبة الى المقاولات الصغرى والمتوسطة. كما أن إدماج
تقييم الأخطار البيئية والاجتماعية في شروط منح القروض من المصارف سيمكن من
فرض القوانين والالتزامات البيئية والاجتماعية في المراحل الأولى لكل
الاستثمارات.
وقد اقترح
المجلس الاقتصادي والاجتماعي توصيات عملية خاصة بكل قطاعات الاقتصاد
الأخضر، بما فيها الطاقات المتجددة، وكفاءة الطاقة، ومعالجة مياه الصرف،
وتدبير النفايات الصلبة. ويمكن الاطلاع عليها من خلال الموقع الإلكتروني www.ces.ma
شكيب بنموسى هو رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.