كشف تقرير أعدّه الفريق
الحكومي المعني بتغيّر المناخ التابع للأمم المتحدة أن تغيّر المناخ سيعطّل
الإمدادات الغذائية في العالم وسيبطئ النمو الاقتصادي، وربما يلحق أضراراً
بالطبيعة يتعذر إصلاحها. ومن القضايا التي يطرحها التقرير الأممي نقص الغذاء
والمياه وانقراض الحيوانات والنباتات، مما سيضع ضغوطاً على الحكومات من أجل اتخاذ
إجراءات عملية لمواجهة هذا التغيّر.
التغيّر المناخي ليس هو
العامل الضاغط الوحيد في قضايا الأمن المائي العربي، إذ تعاني معظم الدول العربية
من مشاكل الندرة المائية، خاصةً وأن الأنهار الرئيسية في العالم العربي (النيل
والفرات ودجلة والسنغال) تتحكم بها دول تتعارض مصالحها غالباً مع المتطلبات
المائية لأغراض الزراعة في الدول العربية المتشاطئة.
العالم العربي يعاني من
محدودية مصادر المياه العذبة المتجددة التي لا تزيد عن 1,1 في المئة من مجمل مصادر
المياه العذبة المتجددة في العالم في مقابل تعداد سكاني يقارب 5 في المئة من عدد
سكان الأرض. إضافةً إلى ذلك فإن المياه السطحية العذبة كالأنهار والبحيرات تمثّل
نحو 84 في المئة من مجموع مصادر المياه العذبة العربية التي تبلغ 244 مليار متر
مكعب وفقاً لتقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) الصادر عام 2009 حول
تأثير تغير المناخ على الدول العربية.
إن ما يقارب 60 في المئة
من مصادر المياه العذبة السطحية، أو ما يزيد عن نصف مجمل مصادر المياه العذبة العربية،
تتشكّل خارج حدود الوطن العربي، ولا سيما في تركيا والصفيحة الإثيوبية وغينيا.
وهذا ما يجعل دولاً مثل مصر والعراق وسورية وموريتانيا معتمدة تماماً على المصادر
المائية المتشكّلة خارج حدودها.
أظهرت الأبحاث الجديدة
التي أجرتها مجموعة Strategic Foresight Group في
148 بلداً و205 أحواض نهرية مشتركة أن البلدان التي تنخرط في تعاون مائي نشط لا
تخوض حرباً في ما بينها. ولكن التعاون المائي بين الدول العربية ودول الجوار لا
يبدو في أفضل أحواله خلال السنوات القليلة الماضية. فهل يكون ضعف هذا التعاون
عاملاً لتصعيد النزاعات وطنياً وإقليمياً؟
إن تزايد وطأة التغير
المناخي، وفصول الشتاء الجافة المتكرّرة التي شهدتها دول حوض البحر المتوسط
وجواره، والممارسات غير الرشيدة في إدارة الموارد المائية، وعدم مراعاة الخطط
الزراعية الوطنية لمحدودية الموارد المائية المتاحة، واستنزاف الموارد المائية
الجوفية غير المتجدّدة، هي عوامل ساهمت جميعها في الضغط على مصادر المياه العذبة
عربياً وفي دول الجوار.
تضاعف هذا الضغط المتزايد
على مصادر المياه العذبة بشكلٍ خاص خلال السنوات العشرين الماضية، أي بعد توقيع
معظم اتفاقيات تقاسم مياه الأنهار بين الدول المتشاطئة. وهذا وضع بعض الدول
العربية في موقف مائي حرج، خاصةً في غياب أو ضعف التعاون المائي المشترك مع دول
المنبع التي تمسكت بحقوقها المكتسبة الناتجة عن اتفاقيات تقاسم المياه، وسعت كل
دولة إلى تحقيق خططها التنموية بغض النظر عن الاحتياجات المائية للدول الأخرى.
لقد أدّت السدود التي
أنشأتها تركيا على نهر الفرات ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP) إلى خفض تدفق المياه الممرّرة إلى الأراضي السورية
بمقدار يزيد عن النصف مقارنةً بتدفق مياه النهر حتى عام 1975. وبالرغم من أن كمية
المياه الممرّرة هذه تنسجم مع اتفاقية عام 1987 لتقاسم مياه النهر بين تركيا
وسورية، إلا أن حالة الجفاف التي أصابت المنطقة والضغط المطرد على الموارد المائية
جعلت سورية والعراق تطالبان بإعادة مراجعة اتفاقيات تقاسم المياه مع تركيا، من أجل
حصّة مائية أكثر عدالة تحقّق الحد الأدنى من احتياجات البلدين.
من جانب آخر، فإن مشروع
استغلال نهر السنغال وإنشاء سدّي دياما في السنغال وماننتالي في مالي، وما تبع ذلك
من حصول تعارض في المصالح بين رعاة الإبل في موريتانيا والمزارعين في السنغال
عززته مساعي الدولتين إلى زراعة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي ووجود عوامل خلاف
سياسية وثقافية، أدّت جميعها إلى الحرب الموريتانية السنغالية بين عامي 1989 و1991
التي أودت بحياة 24 ألف شخص.
وكانت نتيجة هذه الحرب
اتفاقاً ديبلوماسياً لتقاسم مياه النهر بين موريتانيا والسنغال، إلا أن المشاريع
التي تقوم السنغال بتنفيذها لاستغلال مياه النهر وتشابك مصالح البلدين وتداخلهما
السكاني والعرقي تجعل من مسألة المياه عامل ضغط مستمر على موريتانيا التي يمثّل
نهر السنغال أهم مصادرها المائية.
عام 1993، تم التوقيع على
اتفاقية إطار عمل للتعاون بين مصر وإثيوبيا، تعهّد فيها الطرفان بعدم الانخراط في
أي نشاط قد يلحق الضرر الملموس بمصالح أي من الطرفين في ما يتعلق بمياه نهر النيل.
إلا أن الجانب الإثيوبي نقض هذه الاتفاقية فعلياً بإعلانه عن مشروع سد النهضة بشكل
مفاجئ في شباط (فبراير) 2011.
إثيوبيا التي استغلّت على
ما يبدو حالة عدم الاستقرار السياسي في مصر باشرت في تنفيذ مشروع سد النهضة على
عجل، بالرغم من وجود قصور في بعض الدراسات وغياب شبه تام لدراسات تقييم الأثر
البيئي والاجتماعي والهيدروجيولوجي العابر للحدود.
وتجاهلت إثيوبيا الدعوات
المصرية المتكرّرة للتعاون في إنجاز هذه الدراسات، مما دفع الحكومة المصرية
لإنجازها بالاعتماد على الأبعاد المعلنة لسد النهضة. وجاءت النتائج لتؤكد أن سد
النهضة سيلحق ضرراً معتبراً بمصر، بما في ذلك ضرر مادي على الصُعد البيئية
والاقتصادية الاجتماعية، الأمر الذي قد يهدد الأمن المائي المصري. وذلك وفق ما
نشره الموقع الرسمي لوزارة الخارجية المصرية.
الأمن المائي العربي لم
يسبق أن كان في حالة من الضعف والارتهان كما هو الآن. وهذا يتطلب من الدول العربية
المبادرة للتضامن وتعزيز تبادل الخبرات لمواجهة التحديات الراهنة، خاصةً أن الفشل
في ضمان الأمن المائي العربي قد يهدد بموجة عاتية أخرى من عدم الاستقرار الاجتماعي
والسياسي تصيب الدول العربية.