حمدي هاشم
تتأثر دولة مصر من منظور الجغرافيا الهيدرولوجية بنسبة 90% بمشروعات الهضبة الإثيوبية والسودان، بينما تؤثر مشروعات الهضبة الاستوائية بنسبة10% على كل من مصر والسودان وجنوب السودان. ويعود ذلك إلى جغرافية النهر الطبيعية وهيدرولوجية المنابع والروافد والجريان السطحي، حيث تأتي مياه “النيل الأزرق” بنسبة 85% من “بحيرة تانا” من الهضبة الإثيوبية، بينما تغذي “بحيرة فيكتوريا” من الهضبة الاستوائية “النيل الأبيض” بنسبة 15%، ويقوم “السد العالي” بتخزين حصة مياه دولتي المصب التاريخية (84 مليار م3).
وحسب نتائج الجغرافيا البيئية، لا تستطيع مشروعات السدود على نهر النيل وروافده حبس المياه عن دولة دون أخرى، ولكنها تؤثر بدرجات متفاوتة على حصة المياه العابرة للحدود في اتجاه جريان النهر. وليست المشكلة في تحويل مجرى النهر لتهيئة الظروف الهندسية والفنية لبناء جسم السد، ولكنها تكمن في زمن ملء الخزان، وتلك هي مشكلة هذه المرحلة، والحل في زيادة سنوات مدة التخزين لتقليل الآثار المرحلية، وبعد ذلك يتوقف مقدار نقص المياه بدول المصب على السياسة التشغيلية لهذه السدود لإنتاج الكهرباء وتلبية احتياجات الزراعة والاستخدامات الأخرى.
توطن السد الإثيوبي على مشارف الحدود السودانية الإثيوبية بنحو (40) كيلومتراً، وهو سيتحكم بصورة شبه كاملة في إيراد النيل الأزرق. ومن ناحية السلامة الجغرافية، فيشكل خطورة على الأراضي السودانية، وغرق مدينة الخرطوم، وسيؤثر على جسم السد العالي، في حالة تعرضه للانهيار. وتؤكد المعلومات انجاز أكثر من 20% من إنشاءاته، ودخوله الخدمة قبل عام (2018). وبالمقارنة فهو يزيد بحوالي 34 متراً في ارتفاعه عن السد العالي (111 متراً)، ويقل عنه في الطول بمقدار النصف (1800 متراً)، وكذلك في سعة التخزين الكلية يقل بنحو 44% ( تبلغ سعته التخزينية 70 مليار م3), ولكن يعد ـ بحسب تصميم هذا السد بعد اكتماله ـ من أكبر مشروعات توليد الكهرباء في قارة أفريقيا (5250 ميجاوات) بما يكافئ 2,5 مرة قدرة السد العالي من توليد الكهرباء.
دفعت “ندرة المياه” داخل “إسرائيل” للاهتمام بالهضبة الإثيوبية منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وسعيها الدائم للحصول على مياه النيل، سواء عن طريق مصر أو من إثيوبيا بواسطة أنابيب تصلها عبر البحر الأحمر!. وتقدر طاقة إثيوبيا الكامنة بنحو 20 ألف ميجاوات من النيل الأزرق وروافده. وأنها ستقود منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل باحتكارها الطاقة الكهربائية واستغلال السدود في الزراعات المروية. وتقدر عائدات تصدير فائض الكهرباء لدول الحوض وخارجها بأكثر من خمسة مليارات دولار بعد اكتمال بناء السدود الأخرى.
وقد يصب مشروع القرن المتكامل بأبعاده السياسية في دعم مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولكن يلزمه استكمال البنية التحتية لاستيعاب كميات الكهرباء الضخمة التي ستولدها هذه السدود والتي ستستغرق مدة زمنية كبيرة، علاوة على إيجاد مخرج لوجستي آمن لنقل هذه الكهرباء التي لا مفر من نقلها عبر الأراضي السودانية أو المصرية.
ولو قدر أن تزامن السد الإثيوبي في بناءه مع السد العالي لا زال التهديد والوعيد بين دولتي المنبع والمصب، بل كانت ستعم الفائدة بين دول حوض النيل، ولكن جاء زمنه مع هبوط متوسط نصيب الفرد في مصر من المياه دون خط الفقر المائي (1000 م3) إلى نحو 350 م3 بحلول عام 2050، وذلك أمام ثبات حصة المياه في مقابل الزيادة السكانية المستمرة، وتواضع المخزون الجوفي غير المتجدد بالصحراء الغربية، وارتفاع تكلفة التحلية، وزيادة الفجوة الغذائية.
وتدور مخاوف مصر من تأثيرات هذا السد حول: فقد نحو مليوني فدان، انخفاض توليد الكهرباء لأكثر من 500 ميجاوات في السنة، توقف محطات تنقية مياه الشرب وكثير من الصناعات التحويلية، تأثر محطات الكهرباء المعتمدة علي التبريد من مياه النيل، تدهور نوعية المياه في الترع والمصارف من قلة غسيل مجرى النهر، حجز كميات ضخمة من الرواسب النهرية التي وان كانت ستزيد نسبياً من حجم تخزين بحيرة السد العالي إلا أنها ستزيد من فجوة الأسمدة الزراعية وما يتبعها من التأثيرات الضارة بصحة الإنسان والبيئة، وتدهور العلاقة بين البحر والنهر.
وخلاصة القول: لابد من تقويم التأثير البيئي التراكمي لكافة المشروعات المستقبلية للسدود بامتداد حوض النيل، وليس الاعتماد فقط على دراسة تقويم الأثر البيئي على مستوى الموقع والموضع بدولها دون الدول الأخرى الأكثر اعتماداً على النهر. وأن يتم إحياء مشروع قناة جونجلي التكاملي الذي سيوفر أكثر من 10 مليارات م3 مفقودة بالمستنقعات في أراضي جنوب السودان.
المصدر : آفاق بيئية