سارة كروداس مذيعة حرة وكاتبة مقيمة في لندن.
حتى تنال مخزونات الطاقة الحرارية الأرضية الهائلة، لا بد لك أولًا من أن تتمكن من إيجادها والوصول إليها. وهنا تكمن الصعوبة، فحتى في المناطق الثرية جيولوجيًّا، لا يمكنك أن تحفر في أي مكان. فنظرًا لأن التوليفة الدقيقة من الصخور المسامية الساخنة والمياه لا تتوافر في كل مكان؛ تكمن المخاطرة في أن تحفر إحدى شركات المرافق المحلية بئرًا — وهي مهمة تتراوح تكلفتها بين ٣ ملايين و٧ ملايين دولار بلا شك — ثم لا تجد سوى بئر جافة لا ينبعث منها بخار. ولننظر في مثال محطة ألوتو لانجنو؛ محطة توليد الطاقة الحرارية الأرضية الصغيرة الوحيدة في إثيوبيا. فمن بين ١٢ بئرًا محفورة هناك بغرض الاستكشاف، لا ينبعث البخار سوى من ثلاثٍ منها، والأخرى غير نشطة. فيقول كِندال: «يضعنا هذا أمام التساؤل عن سبب نجاح [الحفر] في أماكن دون أخرى.»
تتيح النظم الحرارية الأرضية حديثة النشأة «المحسَّنة» مزيدًا من حرية الحركة، ولكنها تستلزم حيلًا مرتفعة التكلفة مثل المياه المحقونة، وهي ليست متوافرة في المناطق المعرَّضة للجفاف. ويقول أودينيه إنك حتى تصل إلى طاقة حرارية أرضية «سهلة» متكونة بصورة طبيعية «لا بد أن تعرف بدقة متناهية أين تحفر.»
وبصفة عامة، فقد توافر لدى البُلدان ذات برامج الطاقة الحرارية الأرضية الناجحة تمويل وفير لتأمينها ضد تلك المخاطر؛ ففي آيسلندا — على سبيل المثال — دعمت الحكومة العمليات الاستكشافية. إلا أنه في شرق أفريقيا، يكون لدى الحكومات المحلية أولويات مالية أخرى أكثر إلحاحًا.
ولا تتوافر مصادر تمويل كثيرة خلافًا لذلك؛ فالتكاليف الباهظة للدراسات السطحية المبدئية والحفر الاستكشافي تنفِّر المستثمرين. وفي حالة الطاقة الحرارية الأرضية، لا يوجد عائد مضمون للاستثمارات الكبيرة الموضوعة فيها، فحتى إن انبعث البخار من الآبار الاستكشافية، فقيمته منخفضة نسبيًّا. فخلافًا للنفط أو الغاز، لا يمكن شحنه على السفن وبيعه، فلا يمكن استخدامه سوى في مكان واحد لتوليد الكهرباء، وبأسعار ثابتة.
ويقول أودينيه: «إنها إمكانات مهمة نظريًّا، ولكن تحويلها إلى حقيقة اقتصادية أمر يتطلب بذل جهود فنية ومالية.»
كما أنه يتطلب مكونات أكثر جوهرية؛ فتحديد المكان المناسب للحفر ليس بالمهمة البسيطة على الإطلاق في البلدان التي تفتقر في بعض الأحيان إلى بنية تحتية أساسية للغاية مثل الطرق. وتقول جولييت بيجز — عالمة جيوفيزيائية بجامعة بريستول: «بعض تلك الأماكن لا يمكن الوصول إليها إلا على ظهر الجِمال.» وإذا أضفنا إلى ذلك المخاطر السياسية كثيرة الحدوث فسيكون من الصعوبة بمكان أن نحدد نقطة البداية؛ ونتيجةً لذلك — على حد قول بيجز — فإن «حد هذه الصفيحة هو الأقل توثيقًا في العالم أجمع.»
إلا أنه منذ بضعة أعوام ظهرت وسيلة جديدة لتحديد مواقع الطاقة الحرارية الأرضية؛ فقد انفجر بركان داباهو — أحد براكين الطرف الشمالي من الصدع في إثيوبيا — بغتةً عام ٢٠٠٥. واتضح أن لا أحد يعلم متى كان آخر نشاط لأحد براكين الصدع، أو ما إذا كان من المرجح أن ينفجر أيٌّ منها قريبًا. وتقول بيجز: «عادة يكون ذلك بتفقُّد السجل التاريخي للانفجارات، واستخدامه للتنبؤ بالمستقبل. والمشكلة أن تلك الأماكن لا يتوافر بها سجل تاريخي.» ففي كينيا على سبيل المثال، تقول بيجز إن أحدث الرواسب قد يرجع إلى عام ١٨٦٣ أو إلى ٤ آلاف عام مضت؛ «لا أحد يعلم.» ويشكِّل ذلك خطرًا على ١٠ ملايين إثيوبي يعيشون على بُعد ١٠٠ كيلومتر من براكين غير خاضعة للرقابة.
كانت بيجز تبحث عن طريقة أفضل للتنبؤ بتلك الانفجارات، وأدركت أن أي تنبؤات لا بد أن تأتيَ عن طريق تقصِّي مؤشرات النشاط في الوقت الحالي، وأفضل طريقة لفعل ذلك عبر مساحات كبيرة تكون باستخدام القمر الصناعي «إنفيسات» المخصص لمراقبة الأرض. وقد كشفت البيانات الواردة عن القمر الصناعي أمرًا غير متوقع؛ فمن بين ٣٠ بركانًا قائمة على طول الصدع، وجدت بيجز وزملاؤها أن ١٨ منها آخذة في التشوه حاليًّا (انظر الشكل السابق). تلك التشوهات — إزاحة الأرض بصورة يتبين منها حدوث اضطراب تحت الأرض — أشارت إلى أنه ثَمَّةَ صهارة على بُعد بضعة كيلومترات تحت سطح الأرض. وقالت بيجز: «ما كنت لأسميَها خريطة كنز»، ولكنها أشبه بذلك. فنظرًا لتصاعد الصهارة بالقرب من السطح — على بعد نحو كيلومتر واحد — تكون المناطق التي ترتفع فيها مخاطر البراكين عن المتوسط مثالية للحصول على الطاقة الحرارية الأرضية (جيوكيميستري جيوفيزيكس جيوسيستمز، المجلد ١٢، صفحة ١). ينطبق ذلك بلا شك على آيسلندا. فتقول بيجز: «في الحقيقة ثَمَّةَ أنماط مشابهة من التشوهات في البراكين هناك.»
وقد رصد إنفيسات كتل الصهارة الضحلة تلك على طول الصدع. وبضمِّه إلى تقنيات أخرى، قد يساعد بلدان شرق أفريقيا على إيجاد أفضل مواقع الطاقة الحرارية الأرضية. ويقول كِندال: «إذا أمكننا زيادة فهمنا لتكوينات الصدوع وللنظم الحرارية الأرضية، فسوف نتمكن من إرشادكم على نحوٍ أفضل إلى أماكن الحفر الملائمة.» والحقيقة أن الحفر بالقرب من التشوهات ينبغي أن يساعدنا على تجنب الحُفَر الناضبة؛ إذ إنه بالإضافة إلى العثور على الصهارة، فإنها تشير كذلك إلى الصدوع والصخور المتكسرة التي تسمح بتدفق المياه الجوفية العميقة.
وقد تسرِّع تلك الخرائط وتيرة نقلة تحدث ببطء على مدى السنوات القليلة الماضية. فشركة كينجين — الشركة الكينية الحكومية وأكبر مُنتِج للطاقة في البلاد — بصدد تشييد محطة لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية حاليًّا من شأنها أن تُضاعف إنتاج البلاد من الطاقة الحرارية الأرضية بدءًا من عام ٢٠١٤، وهي تخطط لبناء محطة أكبر بكثير بحلول عام ٢٠١٩. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت شركة الطاقة الحرارية متعددة الجنسيات «أورمات» أول شركة خاصة تموِّل محطة طاقة وتنشئها في كينيا.
تقبع منطقة شرق أفريقيا فوق كنز من الطاقة الحرارية الأرضية؛ فهل يمكن أن تكون البراكين هي مفتاح الوصول إليه؟
نظرة واحدة إلى المشهد ستمنحك فكرة طيبة عن سبب إطلاق السكان المحليين على بركان «إرتا أليه» اسم بوابة الجحيم؛ إذ تستعر بحيرة الحمم في ذلك البركان الأسود بين صفيحتين مشقوقتين في الصحراء. فهنا في منطقة عفار بإثيوبيا يمكنك أن تشاهد العالم يتمزق بكل ما في الكلمة من معانٍ.
تُظهر صور الأقمار الصناعية أن براكين شرق أفريقيا نشطة إلى حدٍّ مدهش |
وما الانبعاجات والشروخ التي تموج بها تلك الأرض سوى إشارة بسيطة إلى العنف الكامن تحت السطح. فهنا في شرق أفريقيا، القوى التكتونية الأرضية تتعارك، مشكِّلةً صفائح جديدة بتمزيق الصفائح القديمة. فإذا طرقنا الأعماق الفائرة فستكون المكافأة عظيمة؛ فالصهارة الملتهبة تنبثق من أعماق الأرض إلى أعلى عبر الشقوق، وتسخِّن الصخور القريبة من السطح. وحيثما تلتقي تلك الصخور المياه الجوفية، يمكن استغلال البخار الكثيف للحصول على السمات المثالية الثلاث للطاقة الممتازة، وهي: النظافة، والاستدامة، والاعتمادية الكاملة.
قليلة هي المواقع التي يسهل فيها الحصول على ذلك المزيج في العالم، ولكن ثَمَّةَ مجموعة من
العوامل حالت دون وصولنا إلى ذلك المنجم الطبيعي للطاقة. إلا أن الأبحاث الحديثة تبث أملًا
جديدًا في استغلال ذلك المورد، وفي احتمال انتشال منطقة كاملة من الفقر.
يبدأ صدع شرق أفريقيا في سوريا، ويشق طريقًا طوله ٦٤٠٠ كيلومتر عبر السودان وإثيوبيا وكينيا
وجيبوتي وتنزانيا، وصولًا إلى موزمبيق. ويقول مايكل كِندال — مدير كلية علوم الأرض بجامعة
بريستول في المملكة المتحدة: «إن قارة أفريقيا تتمزق بمعدل سنتيمتر إلى سنتيمترين كل عام.» وإذ
تنشق القشرة الأرضية تنبثق الصهارة وتكوِّن البراكين، منها ٣٠ تكونت بالفعل على طول الصدع. وفي
النهاية، سوف يمتد الشق في البحر، ويتسع — على غرار البحر الأحمر قبله — ويتحول قرن أفريقيا
الشرقي إلى جزيرة.
الصدوع توجد عادةً — بحكم تعريفها — تحت المحيط فقط؛ حيث تكون قشرة الأرض أرفع ما يمكن. أحد
استثناءات ذلك هي آيسلندا؛ حيث انبثقت من أعماق الأرض كميات كبيرة جدًّا من الصهارة الملتهبة
إلى حد أن ارتفعت عن سطح البحر وكوَّنت أرضًا. ذلك التراث الجيولوجي جعل من آيسلندا منجمًا
حقيقيًّا للطاقة الحرارية الأرضية، وهي مصدر فريد للكهرباء النظيفة يتميز عن كثير من مصادر
الطاقة المستدامة الأخرى بتوافره بصرف النظر عن الرياح أو الطقس. وفي آيسلندا تمد الطاقة
الحرارية الأرضية معظم المنازل بالتدفئة إضافةً إلى الكهرباء.
وتتوافر لصدع شرق أفريقيا إمكانات أكبر من آيسلندا (انظر الشكل). فيقدِّر برنامج الأمم
المتحدة للبيئة إمكاناتها من الطاقة بما يبلغ ١٥ جيجاوات، أي ما يعادل ١٥ مفاعلًا نوويًّا متوسط
الحجم. ويعادل ذلك إجمالي الإمداد العالمي من الطاقة الحرارية عام ٢٠١٠ مرة ونصف المرة.
فرِّق تسُد: أسفل صدع شرق أفريقيا يقبع ما يعادل ١٥ مفاعلًا نوويًّا من الطاقة. ولكن أين؟ قد تقدم خرائط الأقمار الصناعية الجديدة أدلة ترشدنا إلى أماكن وجودها. |
وعلى الرغم من أن تلك الإمكانات كانت ظاهرة منذ أواسط خمسينيات القرن العشرين، فهي لم
تُستخدَم إلى حدٍّ كبير؛ فالواقع أن بلدين فقط ضمن صدع شرق أفريقيا — كينيا وإثيوبيا — يستخدمان
قدرًا قليلًا جدًّا من الطاقة الحرارية الأرضية؛ فسعة الطاقة الحرارية الأرضية هناك بلغت الآن
٢١٢ ميجاوات في كينيا و٧ ميجاوات في إثيوبيا، وذلك وفقًا للبنك الدولي. ولكن حتى في حالة كينيا،
لا يمثل ذلك الرقم سوى قطرة في بحر، فيقول بيير أودينيه — مسئول تنمية الطاقة في البنك الدولي:
«لقد قطعت كينيا الشوط الأطول فيما يتعلق بتنمية الطاقة الحرارية الأرضية.» إلا أن ١٧ في المائة
فقط من ذلك البلد مزوَّد بالكهرباء، وهي نسبة ضئيلة وإن كانت تضع كينيا في المركز الأول بين
بُلدان الصدع جميعًا في هذا المجال.
مهمة خطِرة
الواقع أنه — وفقًا للأمم المتحدة — على الرغم من أن ١٣ في المائة من سكان العالم يعيشون في شرق أفريقيا، فإنهم يستهلكون أقل من ٣ في المائة من معدل استهلاك الكهرباء العالمي. فيقول أخيم شتاينر — مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة: «إن منطقة نظام صدع شرق أفريقيا من أكثر مناطق الأرض ثراءً بالموارد، إلا أنها أقلها وصولًا إلى الكهرباء.» فلماذا لم يكن من الممكن حفر الأرض ببساطة والحصول على تلك الطاقة؟حتى تنال مخزونات الطاقة الحرارية الأرضية الهائلة، لا بد لك أولًا من أن تتمكن من إيجادها والوصول إليها. وهنا تكمن الصعوبة، فحتى في المناطق الثرية جيولوجيًّا، لا يمكنك أن تحفر في أي مكان. فنظرًا لأن التوليفة الدقيقة من الصخور المسامية الساخنة والمياه لا تتوافر في كل مكان؛ تكمن المخاطرة في أن تحفر إحدى شركات المرافق المحلية بئرًا — وهي مهمة تتراوح تكلفتها بين ٣ ملايين و٧ ملايين دولار بلا شك — ثم لا تجد سوى بئر جافة لا ينبعث منها بخار. ولننظر في مثال محطة ألوتو لانجنو؛ محطة توليد الطاقة الحرارية الأرضية الصغيرة الوحيدة في إثيوبيا. فمن بين ١٢ بئرًا محفورة هناك بغرض الاستكشاف، لا ينبعث البخار سوى من ثلاثٍ منها، والأخرى غير نشطة. فيقول كِندال: «يضعنا هذا أمام التساؤل عن سبب نجاح [الحفر] في أماكن دون أخرى.»
تتيح النظم الحرارية الأرضية حديثة النشأة «المحسَّنة» مزيدًا من حرية الحركة، ولكنها تستلزم حيلًا مرتفعة التكلفة مثل المياه المحقونة، وهي ليست متوافرة في المناطق المعرَّضة للجفاف. ويقول أودينيه إنك حتى تصل إلى طاقة حرارية أرضية «سهلة» متكونة بصورة طبيعية «لا بد أن تعرف بدقة متناهية أين تحفر.»
وبصفة عامة، فقد توافر لدى البُلدان ذات برامج الطاقة الحرارية الأرضية الناجحة تمويل وفير لتأمينها ضد تلك المخاطر؛ ففي آيسلندا — على سبيل المثال — دعمت الحكومة العمليات الاستكشافية. إلا أنه في شرق أفريقيا، يكون لدى الحكومات المحلية أولويات مالية أخرى أكثر إلحاحًا.
ولا تتوافر مصادر تمويل كثيرة خلافًا لذلك؛ فالتكاليف الباهظة للدراسات السطحية المبدئية والحفر الاستكشافي تنفِّر المستثمرين. وفي حالة الطاقة الحرارية الأرضية، لا يوجد عائد مضمون للاستثمارات الكبيرة الموضوعة فيها، فحتى إن انبعث البخار من الآبار الاستكشافية، فقيمته منخفضة نسبيًّا. فخلافًا للنفط أو الغاز، لا يمكن شحنه على السفن وبيعه، فلا يمكن استخدامه سوى في مكان واحد لتوليد الكهرباء، وبأسعار ثابتة.
ويقول أودينيه: «إنها إمكانات مهمة نظريًّا، ولكن تحويلها إلى حقيقة اقتصادية أمر يتطلب بذل جهود فنية ومالية.»
كما أنه يتطلب مكونات أكثر جوهرية؛ فتحديد المكان المناسب للحفر ليس بالمهمة البسيطة على الإطلاق في البلدان التي تفتقر في بعض الأحيان إلى بنية تحتية أساسية للغاية مثل الطرق. وتقول جولييت بيجز — عالمة جيوفيزيائية بجامعة بريستول: «بعض تلك الأماكن لا يمكن الوصول إليها إلا على ظهر الجِمال.» وإذا أضفنا إلى ذلك المخاطر السياسية كثيرة الحدوث فسيكون من الصعوبة بمكان أن نحدد نقطة البداية؛ ونتيجةً لذلك — على حد قول بيجز — فإن «حد هذه الصفيحة هو الأقل توثيقًا في العالم أجمع.»
إلا أنه منذ بضعة أعوام ظهرت وسيلة جديدة لتحديد مواقع الطاقة الحرارية الأرضية؛ فقد انفجر بركان داباهو — أحد براكين الطرف الشمالي من الصدع في إثيوبيا — بغتةً عام ٢٠٠٥. واتضح أن لا أحد يعلم متى كان آخر نشاط لأحد براكين الصدع، أو ما إذا كان من المرجح أن ينفجر أيٌّ منها قريبًا. وتقول بيجز: «عادة يكون ذلك بتفقُّد السجل التاريخي للانفجارات، واستخدامه للتنبؤ بالمستقبل. والمشكلة أن تلك الأماكن لا يتوافر بها سجل تاريخي.» ففي كينيا على سبيل المثال، تقول بيجز إن أحدث الرواسب قد يرجع إلى عام ١٨٦٣ أو إلى ٤ آلاف عام مضت؛ «لا أحد يعلم.» ويشكِّل ذلك خطرًا على ١٠ ملايين إثيوبي يعيشون على بُعد ١٠٠ كيلومتر من براكين غير خاضعة للرقابة.
كانت بيجز تبحث عن طريقة أفضل للتنبؤ بتلك الانفجارات، وأدركت أن أي تنبؤات لا بد أن تأتيَ عن طريق تقصِّي مؤشرات النشاط في الوقت الحالي، وأفضل طريقة لفعل ذلك عبر مساحات كبيرة تكون باستخدام القمر الصناعي «إنفيسات» المخصص لمراقبة الأرض. وقد كشفت البيانات الواردة عن القمر الصناعي أمرًا غير متوقع؛ فمن بين ٣٠ بركانًا قائمة على طول الصدع، وجدت بيجز وزملاؤها أن ١٨ منها آخذة في التشوه حاليًّا (انظر الشكل السابق). تلك التشوهات — إزاحة الأرض بصورة يتبين منها حدوث اضطراب تحت الأرض — أشارت إلى أنه ثَمَّةَ صهارة على بُعد بضعة كيلومترات تحت سطح الأرض. وقالت بيجز: «ما كنت لأسميَها خريطة كنز»، ولكنها أشبه بذلك. فنظرًا لتصاعد الصهارة بالقرب من السطح — على بعد نحو كيلومتر واحد — تكون المناطق التي ترتفع فيها مخاطر البراكين عن المتوسط مثالية للحصول على الطاقة الحرارية الأرضية (جيوكيميستري جيوفيزيكس جيوسيستمز، المجلد ١٢، صفحة ١). ينطبق ذلك بلا شك على آيسلندا. فتقول بيجز: «في الحقيقة ثَمَّةَ أنماط مشابهة من التشوهات في البراكين هناك.»
وقد رصد إنفيسات كتل الصهارة الضحلة تلك على طول الصدع. وبضمِّه إلى تقنيات أخرى، قد يساعد بلدان شرق أفريقيا على إيجاد أفضل مواقع الطاقة الحرارية الأرضية. ويقول كِندال: «إذا أمكننا زيادة فهمنا لتكوينات الصدوع وللنظم الحرارية الأرضية، فسوف نتمكن من إرشادكم على نحوٍ أفضل إلى أماكن الحفر الملائمة.» والحقيقة أن الحفر بالقرب من التشوهات ينبغي أن يساعدنا على تجنب الحُفَر الناضبة؛ إذ إنه بالإضافة إلى العثور على الصهارة، فإنها تشير كذلك إلى الصدوع والصخور المتكسرة التي تسمح بتدفق المياه الجوفية العميقة.
وقد تسرِّع تلك الخرائط وتيرة نقلة تحدث ببطء على مدى السنوات القليلة الماضية. فشركة كينجين — الشركة الكينية الحكومية وأكبر مُنتِج للطاقة في البلاد — بصدد تشييد محطة لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية حاليًّا من شأنها أن تُضاعف إنتاج البلاد من الطاقة الحرارية الأرضية بدءًا من عام ٢٠١٤، وهي تخطط لبناء محطة أكبر بكثير بحلول عام ٢٠١٩. وفي الآونة الأخيرة، أصبحت شركة الطاقة الحرارية متعددة الجنسيات «أورمات» أول شركة خاصة تموِّل محطة طاقة وتنشئها في كينيا.
آمال جديدة
على الرغم من أن أورمات لن يكون بإمكانها أن تخزن البخار وتصدِّره، فثَمَّةَ خيار آخر
لتحقيق ربحٍ من الطاقة الحرارية الأرضية، هو: تصدير الكهرباء المتولدة عنها. فمجرد أن
ينتهيَ أمر التكاليف الباهظة المرتبطة بعمليات الحفر الاستكشافية — لا سيما إنْ يسَّرتها
خرائط تشير إلى البقع التي يسهل استخلاص الطاقة منها — تكون تكاليف إنتاج الطاقة الحرارية
الأرضية منخفضة إلى حدٍّ ملحوظ. ويقول أودينيه إنك إذا توافرتْ لديك البنية التحتية السليمة
لإنتاج الكهرباء، فستتمكن من التكسُّب من بيعها للبلدان الأخرى. بعض تلك المبيعات تحدث
بالفعل؛ إذ يقول: «إثيوبيا تصدِّر بالفعل الطاقة المائية إلى جيبوتي.» فكينيا وإثيوبيا
تتاجران في الطاقة على نطاق محدود، وقال إنه ثَمَّةَ حديث أيضًا عن احتمال إنشاء مجمَّع
طاقة إقليمي في شرق أفريقيا.
إن توصيل الكهرباء وحده لن يبدِّل أوضاع المنطقة — فتوافر الطرق والمياه النظيفة أمران
حيويان بدورهما — «ولكن بمجرد أن تتوافر لديك تلك الأشياء، يتبعها كل شيء آخر.» على حد قول
بيجز. فقد توصلت عدة دراسات أُجريت على أفريقيا والصين أن الكهرباء عندما توافرت، تبعها
النمو؛ إذ رُفِع متوسط الأجور أكثر من دولارين يوميًّا على سبيل المثال (إِنرجي بوليسي،
المجلد ٣٤، صفحة ١١٠٦). والنموذج الأمثل على ذلك هو آيسلندا؛ فيقول أودينيه إنه ما إن شَرَع
ذلك البلد في تطوير إمكاناته من الطاقة الحرارية الأرضية، حتى اجتذب الصناعات كثيفة الطاقة
مثل صهر الألومنيوم؛ مما جعل المال يتدفق إلى المنطقة بدوره.
فهل يمكن لبلدان شرق أفريقيا أن ترقى لمستويات إنتاج الطاقة الحرارية الأرضية لدى
آيسلندا؟ يرى أودينيه أن البيانات الواردة عن قمر بريستول الصناعي قد تقدِّم إسهامًا ذا
قيمة. ويقول: «المحصلة النهائية هي أنك لا بد أن تحفر لكي تعرف.» وحتى الآن لا تستخدم شركة
أورمات وغيرها من شركات الاستكشاف الخرائط لكي تسترشد بها في عملياتها الاستكشافية. وتقول
بيجز: «منذ عام ٢٠٠٨ أو ٢٠٠٩ تقريبًا، بدأنا نرسل إليهم نسخًا من الخرائط.» فنظرًا لكمِّ
مخزونات الطاقة التي قد تكشف عنها، تقول بيجز: «إننا نرى أنه حري بهم أن يستخدموها.»
لمتابعتنا على الصفحة الرئيسية للفسبوك هنـــــــــا